للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب مالك وأبو حنيفة (١) والشّافعي وجمهور الفقهاء إلى جواز ذلك، وأنّه لا يفسد الصَّوْم.

وقال ابن حنبل: يبطلُ صومه، وعليه القضاء دون الكفَّارة.

ودليلنا: حديث ابن عبّاس؛ أنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وهو صائِمٌ (٢)، وهذا نَصٌّ من وجهين: من جهة القياس، ومن جهة النَّظَر.

أمّا القياس، فلأنّ هذه جراحة في البَدَنِ فلم يقع بها الفِطْر كالفَصَادِ، وقد قال الدّاوُديّ: إنَّ تركَ الحِجَامَة للصّائم أَحْوَط، لما رُوِيَ في المنع من ذلك من أَدِلَّةِ المُخَالِف، وهو منه مَيْلٌ إلى قول أحمد بن حنبل، والصّحيحُ ما عليه الجمهور.

وقوله (٣): "ثمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ" يريد أنّه لما كبرَ وضعفَ كان يخات على نفسه أن يضطّر إلى الفِطْر، ولهذا يُكْرَهُ لمن خافَ الضَّعْفَ على نفسه ألَّا يحتجمَ حتّى يفطر؛ لأنّ الحِجَامَة رُبَّمَا أَدَّتْهُ إلى فساد الصَّومِ.

المسألة الثّانية (٤):

قوله (٥): "ومَا رَأَيتُهُ احْتَجَمَ قَطُّ إِلاّ وَهُوَ صَائِمٌ" قال الإمام (٦): يحتمل قوله ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه كان يسرد الصِّيام.

والثّاني: أنّه كان لا يسرد ولكنّه قصد إلى ذلك ليُبَيِّن جوازه.

الثّالث: يريد بقوله: "وَهُوَ صَائِمٌ" غير الصَّوم الشَّرعيّ، وإنّما أراد أنّه يقصد أنّ يحتجم قبل أنّ يأكل، لقُوَّتِهِ على هذا المعنى.

المسألة الثّالثة (٧):

فإِنِ احتجمَ فاحتاج إلى الفِطْرِ، فقد أَوْقَعَ نَفْسَهُ في المَحْظورِ (٨) ولا كفَّارةَ عليه،


(١) انظر مختصر اختلاف العلّماء: ٢/ ١٢.
(٢) أخرجه البخاريّ (١٩٣٨ - ١٩٣٩).
(٣) أي قول عبد الله بن عمر في الموطّأ (٨١٨) رواية يحيى.
(٤) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٥٧.
(٥) أي قول عروة في الموطّأ (٨٢٠) رواية يحيى.
(٦) النقل موصول من المنتقى.
(٧) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٥٧.
(٨) في المنتقى: "فقد واقع المحظور".

<<  <  ج: ص:  >  >>