للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديث" على كَثْرَةِ تفاصيله، والّذي نشير إليه الآن ثلاثة فصول (١):

الفصل الأوّل

التَّطبُّبُ جائزٌ من غير شكِّ، وإنّه لا يَحُطُّ المرتبةَ ولا يَقْدَحُ في المنزلة، وذلك إذا نزلَ الدّاءُ، وأمّا قبلَ نزوله، فقال علماؤنا: إنَّ ذلك مكروهٌ. والّذي عندي فيه: أنّه إذا رأى المرءُ أسبابَهُ، وخَشِيَ من نزوله، فإنّه يجوزُ له قطعُ سَبَبهِ فيتداوى، فإنّ قَطْعَ السَّبَبِ قطعُ المُسَبِّبِ. ولو كان التَّدَاوِي يَحُطُّ المرتبةَ، والاسترقاءُ يَقْدَحُ في المَنْزِلَةَ، ما استرقى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - ولا رَقَى، ولا دَاوَى ولا تَدَاوَي.

وأمّا قولُه - صلّى الله عليه وسلم - (٢): "هم الّذين لا يسترقون" الحديث، ففيه ثلاثةُ تأويلاتٍ:

الأوّل: هم الّذين لا يَسْتَرقُونَ بالتّمائم، كما كانت العرب والجاهلية تفعلُ (٣).

التّأويل الثّاني: هم الّذين لا يسترقون عند اليأس، كما فعل الصديق رضي الله عنه (٤)

التّأويل الثّالث: هم الّذين لا يَسْتَرْقُونَ قبلَ حُلولِ المرَضِ.

فإن قيل: لو ترَكَ رجلٌ التَّطَبُّبَ والاسترقاء أصلًا، وتوكَّلَ على الله، وفوَّضَ أمرَه إليه، ولم يستعمل رُقْيَةً ولا داواءً؟

قلنا: إنَّ صحّت نِيَّتُه وتتابعت أفعاله، فهي منزلةٌ (٥)،وإنّما يُتْرَكُ التَّطَبُّبُ كما


(١) انظرها في القبس: ٣/ ١١٢٩ - ١١٣١.
(٢) في الحديث الّذي أخرجه مسلم (٢١٨).
(٣) انظر المفهم: ١/ ٤٦٢.
(٤) انظر تعليقنا رقم: ٦ صفحة: ٤٥٠ من هذا المجلّد، والمسألة تحتاج إلى تحرير، فجميع نسخ المسالك تطابقت على رسم "النَّاس"، وجميع نسخ القبس أجمعت على رسم "اليأس"
(٥) تتمّة الكلام كما في القبس: (منزلة كما قلنا، وقليل ماهم، وإن لم تتناسَبُ أفعالُه فقد تَرَكَ سُنَّةً).

<<  <  ج: ص:  >  >>