للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلموا أنّ مسألةَ الرُّوحِ والنَّفْسِ ليس لها في الشريعة نصٌّ صريحٌ، وإنّما كلامُها فيها تلويحٌ، حَجَبَهَا اللهُ عن الخَلْقِ بالغَيْب. وهي مسألةٌ عَسُرَت على الْخَلْقِ، وأشكلَ فيها وجه الحقِّ، فعَظُمَ لذلك فيها التّأليف، ولم يَفُزْ أحدٌ فيها بتمييزٍ ولا تعريف (١).

قال أبو المعالي الجُوَيْنِيُّ إمامُ الحرمينِ: اعلموا أنّ البارئ سبحانه أراد أنّ يعجز الخلْقَ بأن حجبَ عنهم معرفة موجودٍ اشتملت عليه أُهَبُهُم، فكيف يجهل أحدٌ حقيقةَ ما في إهابه ثم تستطيل به دعواهُ إلى معرفة ربِّهِ، وهو لا يقدِرُ أنّ ينكِرَهَا لظهورِ أفعالِها, ولا يستطيعُ معرفةَ حقيقتِها لخفائِها, ولله الْمَثَلُ الأعلَى لا يقدرُ أحدٌ أنّ يُنكِرَ أفعالَه، ولا يستطيعُ أحدٌ معرفةَ حقيقتِه لعِظَم مِقْدارِه. وعن هذا عبَّرَ بعض أهل الزُّهد فقال: لا يعرفُ الله بالحقيقة إلَّا الله، وغاية الَعبد أنّ يقول في ذلك معترفًا مُقِرًّا بالتّقصير، متعلِّقًا بأذيال المعاذيرِ، بَعْدَ بَذْلِ الوُسْعِ بالْجدِّ والتَّشميرِ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} الآية (٢).

فصلٌ من كلام المتصوِّفة والباطنيّة في الرُّوح ما هو

قال الشّيخ - قدَّس الله روحَهُ ونَوَّرَ ضريحه -: اعلموا أنّ الرُّوح سرٌّ باطنٌ موصوفٌ بصفاته، معلومٌ بأفعاله وأسمائه، ولا يكيِّفُه العقل ولا يحيط به العِلْم، يحدُّه الإنسان ولا يُكَيِّفُهُ، ولا يُحيطُ عِلْمًا به. جعلَهُ اللهُ جلّ جلالُه في هذه العاجلةِ دليلًا وآيةً على الإيمانِ به، وليس الإيمانُ صفةَ إحاطةٍ ولا تكييفٍ. ولذلك يؤمن الرُّوح بما هو أعلى منه


(١) يقولْ المؤلِّف في واضح السّبيل إلى معرفة قانون التأويل: ٦٠/أ [نسخة دار الكتب المصرية] "ألَّفَ الشّيخ الجويني إمام الحرمين ثلاث مجلدات في الكلام على حقيقتها, ولم يصف فيه شيئًا، غير أنَّه حكى أقوال جميع الفرق؛ لأنّه أمرٌ ربّاني استأثر الله بعلمه، وحَجَبَ معرفته عن الخَلْقِ".
(٢) البقرة: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>