للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدِّمة الأولى (١) في حقيقة العَقْد

قال القاضي الزَّنْجَانِيُّ ببَيْتِ المقْدِس: البيْعُ والنِّكاحُ عَقْدَانِ يتعلَّقُ بهما قِوَامُ الإنسانِ، وذلك أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الآدميِّ محتاجًا إلى الغداءِ مُشْتَهِيًا للنِّساءِ، وخَلَقَ له ما في الأرضِ جميعًا، كما أخبر في صادق كتابه، ولم يترُكْهُ سُدىً يتصرَّفُ في اقتضاءِ شَهَواتِه ويستمتعُ بنفسه باختياره كما فعَلَ بالبهائم؛ لأنَّه فَضَّله عليها بالعقل الّذي جعَلَه لأجله خليفةً في الأرض، وبتعارُض الشّهواتِ والعقل تَعَيَّنَ أنّ يكون هنالك قانونٌ ينفَصِلُ به وَجْهُ المنازعةِ بين الأمرين، فتستَرْسِلُ الشّهوةُ بحُكْمِ الجبِلَّةِ، وتقيِّدُها العلّائقُ بحُكْم الشّريعة، وجعلَ لكلِّ واحدٍ من المكلَّفين اختصاصًا يقالُ له: المِلْكُ، بما يتهيَّاُ به النّفعُ، وجعل له سببينِ:

أحدُهما: يُثْبِتُهُ ابتداءً، وهو الاصطيادُ، والاحتشاشُ، والاحتِطابُ، والاقتِطاعُ، على اختلافٍ وتفصيلٍ.

والثّاني: ينقُلُه من يَدٍ إلى يَدٍ، وهو على وجهين:

أحدُهما: بغير عِوَضٍ، وهو الهِبَةُ.

والثّاني: بعِوَضٍ، وهو البَيْعُ وما في معناه، وهذا بَابُهُ، وله شروطٌ كثيرةٌ، ومُفْسِداتُهُ أكثرُ، لِمَا قضَى اللهُ أنّ يكونَ الفسادُ أكثرَ مِنَ الصَّلاحِ، والشّرُّ أضعافُ من الخَيْرِ، ولذلك تمتلىءُ النَّارُ بأهلِهَا وتبقَى الجنّةُ خاليةً حتَّى يُنْشِىءَ اللهُ لها خَلْقًا آخرَ.


(١) انظرها في القبس: ٢/ ٧٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>