للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأوّل في اختلاف السّبب الباعث لهم على ذلك

فقال علماؤنا (١): إنّما كان ذلك؛ لأنّهم كانوا قبل بيان الله لهم لا يُسَاكِنُونَ حائضًا ولا يؤاكلونها ولا يشاربونها كما كانت اليهود تفعل (٢)، فعرَّفَهُم اللهُ بهذه الآية؛ أنّ الّذي بهنَّ من الدَّم لا يبلغ أنّ نحرّم به مجامعتهنّ في البيوت ومؤاكلتهن ومشاربتهن، لقوله عزّ وجلّ: {قُلْ هُوَ أَذًى} (٣)؛ لأنّ الأَذَى لا يُعَبَّر به إلَّا عن المنكر الّذي ليس بشديدٍ، قال الله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} (٤) وقال: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} الآية (٥)، فأعلمهمُ اللهُ أنّ الّذي عليهم في أيام حيض نسائهم تَجَنُّبُّ جِمَاعِهِنَّ لا غير. والدليلُ على ذلك: ما ورد في الآية قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (٦) أي: فجامِعُوهُنَّ في موضع الجماع (٧).

وقيل: إنّما سألوه عن ذلك لأنّهم كانوا يجتنبون النِّساء في الحيض ويأتوهنّ في أدبارهن، فلمّا سألوا عن ذلك، أنزل اللهُ تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية إلى قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (٨) أي: في الفَرْج لا تَعْدُوهُ، وهذا أظهر من القول الأوّل وأبْيَن في المعنى.


(١) المقصود هو الإمام ابن رشد في المقدّمات الممهدات: ١/ ١٢٢ ومن هنا إلى آخر الفقرة الثّانية مقتبسٌ من الكتاب المذكور.
(٢) سبب نزول الآية أخرجه مسلم (٣٠٢) من حديث أنس، وانظر أسباب النزول للواحدي: ٦٧، والعجاب في بيان الاسباب لابن حجر: ١/ ٥٥٣.
(٣) البقر ة: ٢٢٢.
(٤) آل عمران: ١١.
(٥) النِّساء: ١٠٢.
(٦) البقرة: ٢٢٢.
(٧) تتمة الكلام كما في المقدِّمات: "فدلّ ذلك على أنّه إنّما نَهَى في حال الحيض عمّا نصّ على إباحته بعد الطّهر وهو الجماع في موضع الجماع لا غير".
(٨) البقرة: ٢٢٢. وشرح الآية رواه الطّبريّ في تفسيره: ٣/ ٧٢٢ (ط. هجر).

<<  <  ج: ص:  >  >>