للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقدِّمة الثّانية في بيان حكم النِّكاح في الشّرع هل هو واجبٌ أو مندوب إليه أو مباح

اعلموا (١) - علّمكم اللهُ دينكم وثبَّتَ لكم يقينَكُم- أنّ النِّكاحَ رُكنٌ من أركانِ المصلحةِ في الخلقِ والصَّلاح، شَرَعَهُ الله طريقًا لنَماءِ الخَلْقِ، وجعلَهُ شِرْعَةً من دِينِهِ، ومنهاجًا من سبِيلِهِ، قال النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأخشَاكُمْ للهِ وَأتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنْ أصُومُ وأفْطِرُ وأُصَلَّي وأرْقُدُ، وأَتزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فلَيسَ مِنِّي، وإنَّ مِنْ سُنَّتِي النِّكَاح" (٢).

واختلف (٣) علماؤُنا في حُكمهِ:

فمنهم من قال: إنّه مباحٌ وهو الشّافعي (٤)؛ لأنّه نَيْلُ لَذَّةٍ وقضاءُ شَهْوةٍ، فصارَ كسائرِ اللَّذَّاتِ المُقتضاةِ جبِلَّةً.

ومنهم من قال: إنّه مندوبٌ إليه؛ لأنّه قُرْبَةٌ، قاله مالك (٥)، وأبو حنيفة (٦)، وهذا هو الصّحيح (٧)؛ وقد (٨) قال مالك (٩): إنَّ النِّكاحَ مندوبٌ إليه، وقد يختلفُ حُكْمُه بحَسَب اختلافِ الأحوالِ، فيجب تارةً عنده في حقِّ مَنْ لا يُنكَفُ (١٠) عن الزّنا إِلَّا به. وقد وقع لبعض علمائنا إِيجابُه على صِفَةٍ، ويحملُه أنّه على مِثْلِ مَنْ هو على هذه الحالة.


(١) انظر وقارن هذه الفقرة بالعارضة: ٤/ ٢٩٨.
(٢) أخرجه البخاريّ (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١) من حديث أنس.
(٣) انظر هذا الاختلاف في القبس: ٢/ ٦٧٧ - ٦٧٨.
(٤) في الأم: ٥/ ١٥٣، وانظر الحاوى الكبير: ٩/ ٣.
(٥) انظر المعونة: ٢/ ٨١٧، والذخيرة ٤/ ١٩٠.
(٦) انظر المبسوط: ٤/ ١٩٣.
(٧) قاله المؤلِّف في سراج المريدين: الورقة ١٧/ب.
(٨) من هنا إلى آخر الفقرة الرّابعة مقتبس من المعلم للمازري: ٢/ ٨٥.
(٩) في المعلم: "والذي يطلق من مذهب مالك".
(١٠) أي لا يمننع.

<<  <  ج: ص:  >  >>