والعوامل الّتي ساهمت في تكوينه وأثرت في اتجاه حيائه (١).
عهد ملوك الطَّوائف:
وُلِدَ القاضي في أواخر القرن الخامس الهجري (٤٦٨ هـ) في عهد ملوك الطَّوائف، وامتد به العمر إلى منتصف القرن السادس (٥٤٣ هـ) في بداية عصر الموحدِّين، وكان العالم الإِسلامي آنذاك يعيش في ظلال الخلافة العَبَّاسيّة في المشرق والعراق، وفي ظِلِّ الخلافة الفاطميّة في مصر، وكانت بلاد الشام والحجاز واليمن بين مدِّ النّفوذ العباسيّ حينًا، وجذر النفوذ الفاطميّ حينًا آخر، أو مدِّ هذا وجذرِ ذاك أحيانًا؛ من خلال دُوَيلات مَحَلِّيَة تقوم واحدة إثر زوال أخرى، وقد بلَغَت الدّولة العَبَّاسية أحطّ درجات الضّعف والانحلال، وأَضْحَتْ أقرب إلى كونها اسْمًا يتردّدُ من كونها كيانًا دوليًا له وجودٌ محسوسٌ على السّاحة، كما تدهورت الأوضاعُ في الأندلس، حيث انهارت الدّولة الأموية، تلك الدّولة الّتي كانت ترهبُ جيرانها، وتفرض على ملوك النّصارى هيبتها واحترامها، وغَدَت الأندلس بعد الخلافة الأمويّة غنيمةً ونهبًا للطّامعين، الّذين قطّعوا جسدَها أشلاء ممزّقة، تنبئُ بسُوءِ الطّالعِ وظلامِ العاقبةِ وسُوءِ المصير، وأضحت الأندلس دويلات وإمارات صغيرة، وادَّعى كلّ حاكمٍ من
(١) لقد كان صاحبنا ابن العربيّ على صلة وطيدة بالوسط السياسي سواء في الأندلس قبل رحلته حيث كان أبوه وزيرًا عند ملوك الطَّوائف ووجيهًا عند المرابطين، أو بعدها حيث تولّى مناصب شبه سياسية كمنصب الاستشارة للأمير سير بن أبي بكر اللمتوني، أو في أثناء رحلته مع والده إلى المشرق في مهمة سياسية تتمثل في استصدار الاعتراف العباسي بالدولة المرابطية.