للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يُحْمَلُ النّهيُ عن كَسْبِ الحَجَّامِ على ما حُمِلَ عليه النّهي عن كَسْب الأَمَةِ، فإنّها كانت في الجاهليّة تكسِبُ بفَرْجِهَا، فيرجعُ النّهيُ إلى ما لا يجوزُ، فإذا اكتسبت بيدها جازَ، فكذلك كَسْب الحجّام كان عندهم مجهولًا، فإذا تعاملوا بينَهُم بمعلومٍ جازَ، لِمَا رُوِيَ أنّ النَّبىَّ عليه السّلام احتجمَ، فيه دليلٌ على أنّ ثَمَنَ المنافِعِ يجوزُ أنّ يجري فيه المتعاملان على العادةِ والمُرُوءَةِ، فهذا عملَ له أنّ يعطيه أجره الواجب له جازَ، وإن زادَهُ شَكَرَ، وإن خَاسَرَهُ صَبَرَ، أو طلب مبلغ حقِّه، وهو مأخوذٌ من قاعدةِ العُرْفِ، إحدى القواعد العشرة الّتي ترتب عليها أحكام المعاملات في المذهب المالكي.

وأمّا "النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ" (١) فذلك لحقِّ الله، وأغربُ ما فيه ما تَفَطَّنَ له بعضُ أصحابِنا، فإنّهم اتّفقوا على نَقْضِهِ وإن فاتَ، قالوا كلُّهم: يضْمَنُ القِيمَة، إِلَّا مالكًا الغوّاصَ، فإنّهه قال: يَضْمَن الثَّمَن، لنُكتَةٍ بديعةٍ، وهي أنّ القيمةَ لا سبيلَ إلى معرفتها أبدًا؛ لأنّ ذلك ليس بوقتِ بَيْعٍ لأَحَدٍ، فرجعنا إلى الثَّمَنِ ضرورةً الّذي قرَّرَهُ على نفسِهِ وَرَضِيَ ذلك الآخرُ به.

القاعدةُ العاشرة (٢) في بَسْطِ المقاصِدِ والمصالح الّتي أشرنا إليها قَبْلَ هذا

وقدِ اتَّفقتِ الأُمَّةُ على اعتبارِها في الجُملةِ، ولأجلها وَضَعَ اللهُ الحدودَ الزّواجرَ في الأرضِ استصلاحًا للخَلْقِ، حتّى تَعَدَّى ذلك إلى البهائمِ، فَتُضْرَبُ البهيمةُ استصلاحًا، وإن لم تُكلَّفْ، تَسَبُّبًا إلى تحصيل قصدِ المكلِّفِ، وأقَربُ من ذلك أنّ الطِّفلَ يُضرَبُ


(١) انظره في القبس: ٢/ ٨٠١.
(٢) انظرها في القبس: ٢/ ٨٠١ - ٨٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>