للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثّالث: هذا الّذي تلوناهُ آنفًا.

وكلُّها مُعَارَضَةٌ، وبعضها أَخْلَف من بعض.

أمّا قوُله (١):"كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ" فهو نَصٌّ في التَّحريمِ، قال اللهُ تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (٢).

وأمّا قولُه (٣): "اعْلِفْهُ نُضَّاحَكَ" فكأنَّه مشتبه، فنزّهه عنه في ذاته، وأمرَهُ بإطعامهم للإِبِلِ لا للرَّقيق، كذا رواهُ يَحْيَى؛ لأنّ ما لا يرضاه لنفسهِ في الطُّعْمَةِ لا يرضاهُ لرقيقه؛ لأنّهم مكلَّفون في الحلال والحرام والشّبهة بمثل ما كلّف، بخلاف الإبل والبقر والبهائم، فإنّه لا تكليفَ عليها، وأمّا ما أعطاه إيّاه أجرةً، فدليلٌ على الحِلِّ المُطْلَقِ، فإنَّ النَّبيَّ عليه السْلام لا يدخل في شُبْهَةٍ، لِمَا هو عليه من رَفِيعِ المنزلةِ ومَرَاتِبِ العصمة، ولو ثبتَ التّاريخ في المتقدِّم منها من المتأخِّر، فينبغي التّرجيحُ أو التّأويلُ، فورودُ النَّهْي فيه يُحملُ على أنَّه كانت معاملة مجهولة، يحتجِمُون إلى وقت النّتاج، أو الجَدَادِ، أو الحَصَادِ، فيعطي معلومًا، فيكونُ عِوَضًا عن عمل مجهولٍ، أو يكونُ مجهولًا، فيكون عِوَض مجهولٍ عن مجهولٍ، فأعلَمَهُم النَّبىُّ عليه السّلام بتحريمِ ذلك، وعرفوه بينهم، فأعطاهم النَّبىُّ عليه السّلام معلومًا عن معلومٍ.

وأمّا التَّرجيحُ؛ فإنَّ الجوازَ أقوى من المنعِ للحاجةِ إليه، فكان النَّبيُّ عليه السّلام منع منه، فلمّا رأى الحاجةَ إليه رخَّصَ فيه.


= حارثة؛ أنّه استأذن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -" قال ابن عبد البرّ في التمهيد: ١١/ ٧٧ "وذلك من الغلط الّذي لا إشكال فيه على أحد من أهل العلم".
(١) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ (١٢٧٥) عن رافع بن خَدِيج.
(٢) الأعراف: ١٥٧.
(٣) أي قول رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطَّأ السابق ذِكْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>