للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّادس: أنّ المسألة مبنية على أصل من أصول الفقه، وهي أنّ النَّبىّ - صلّى الله عليه وسلم - إنّما بيَّنَ فعله، وأفْعَالُهُ هل تُحمل على الوجوب أو الاستحباب (١)؟

واحتجّ الشَّافعىّ (٢) بأنّ النّبىَّ - صلّى الله عليه وسلم - أمر بالتَّرتيب فقال: "نَبْدَأُ بما بدأَ اللهُ بِهِ"، والرِّواية فيها ضَعْفٌ.

باب جامع السَّعْي

الأحاديث (٣):

لا خلافَ (٤) بين العلماء أنّ الطّواف بالبيت في الحجِّ والعمرة قبل السَّعي بين الصَّفا والمروة، وبذلك جاءتِ الآثارُ عن النّبىّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه كذلك فعل في عُمْرته وحَجَّتِه وقال: "خُذُوا عَنّي مَنَاسِكَكُمْ" (٥).


(١) توسّع المؤلِّف في هذه المسألة في كتابه المحصول: الورقة ٤٥/ أ - ب فقال: "اتفق علماؤنا -رحمة الله عليهم- على تصدير هذه المسألة بقولهم: اختلف النَّاس في أفعال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فمنهم من قال: إنّها محمولة على الوجوب، ومنهم من قال: إنّها محمولة على النّدب، وهذا يفتقر إلى تفصيل فنقول: إنَّ أفعال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لا يخلو موردُها في ثلاثة أحوال: إمّا أنّ ترد بيانًا لمُجْمل. وإما أنّ ترد مُنْشِأة فيما طريقه القرب. وإمّا أنّ ترد منشأة في تقلبات الآدمي ومتصرّفاته الّتي لا غنى عنها في جبلّة الآدمي.
فأما إنَّ وقعت أفعالُه بيانًا لمجمل، فهي تابعة لذلك المجمل، فإن كان واجبًا فواجبًا، وإن كان ندبًا فندبًا، كقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي" في بيان الصَّلاة. وكقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "خُذُوا عنّي مناسِكَكُم" في بيان الحجِّ. ونحو منه قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام، والثِّيب بالثِّيِّب جلد مئة والرَّجم" ثمّ لمّا رجم رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أسقط الجلد، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
وأمّا وقوعه في منشأ العبادات، ففيه يقع الخلاف بين الوجوب والنّدب، والصّحيح أنّه على النّدب؛ لأنّه الأصل واليقين، حتّى يأتي ما يدلُّ على الزّيادة عليه.
وأمّا أفعاله - صلّى الله عليه وسلم - الّتي وقعت منشأة في جبلّة الآدميّ، فهي على النّدب في قول المحققين، وقال بعضهم: إنها على الوجوب، وهو قول ضعيف. وردّ بعض الأحبار من المتأخرين فقال: إنها لا حكم لها ولا دليل فيها، وهذه هفوة شنعاء، فإن الصّحابة - رضوان الله عليهم - أجمعوا عن بكرة أبيهم على الاقتداء برسول الله - صلّى الله عليه وسلم - في نومه وأكله ولباسه وشرابه ومشيه وجلوسه وجميع حركاته، فاعتقادها لغوًا من هذا الحَبر المتأخّر هفوة وسهوة". قلنا: المقصود بالحَبْرِ هنا وإمام الحرمين الجويني في كتابه البرهان: ١/ ٤٩٤، وانظر منخول الغزالي: ٢٢٥.
(٢) في الأمّ: ٢/ ٦٥ (ط. فوزي).
(٣) الواردة في موطَّأ مالك (١٠٩٢ - ١٠٩٨) رواية يحيي.
(٤) هذه الفقرة مقتبسة من الاستذكار: ١٢/ ٢٢٨.
(٥) أخرجه مسلم (١٢٩٤) بلفظ: "لتأخذوا عني مناسككم".

<<  <  ج: ص:  >  >>