للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثَّانية:

لا خلاف بين العلماء أنّ السّعي ركنٌ (١)، والدّليل عليه قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عليكم السَّعْيَ فَاسْعَوا" (٢) ومعنى كتب: أوجب، وحتم، وفرض، ووجب، ومنه قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (٣) أي: حتمها على نفسه بفضله وامتنانه (٤).

المسألة الثّالثة:

ورُوِيَ عن مالك في "العُتْبِيَّة" أنّ الإنسان إذا نسي السّعي بين الصّفا والمروة أنّه يجزئه الدّم، وهذه الرّواية بناء على أنَّ السّعي واجبٌ، وأنّه كالمبيت بالمزدلفة، والمذهب (٥) كلّه على أنّه رُكْنٌ خلافًا (٦) للرِّواية الّتي وقعت في "العُتْبِيّة".

وأمّا حديث عروة بن الزبير (٧) حيث سأل عائشة فقال: إنَّ الله يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، إلى قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٨).

قلنا: الانفصال عن قراءة ابن مسعود (٩) أنّها قراءةٌ شاذَّةٌ، وليست كخبر الواحد يخجب العمل بها، ولا من القراءة الّتي ثبتت بالتّواتر، والقياس أَوْلَى منها (١٠)، فقالت عائشة: "إنّما كان ذلك لو كان ألَّا يَطَّوَفَ بهما" (١١)؛ لأنّ معنى "ألَّا يَطَّوَّفَ بهما" كما


(١) الّذي في أحكام القرآن: ١/ ٤٨ (اختلف النَّاس في السعي بين الصفا والمروة، فقال الشّافعيّ: إنّه رُكْن، وقال أبو حنيفة: ليس بركن. ومشهور مذهب مالك أنّه ركن". وانظر الأحكام الصغرى: ١/ ٣٤.
(٢) رواه أحمد (٢٧٤٦٣) وحسّنه الأرناؤوط.
(٣) الأنعام: ١٢.
(٤) لم نجده في المطبوع من العتيبة ضمن البيان والتحصيل، مع أنّ المؤلّف نصّ على هذه الإحالة في الأحكام أيضًا: ١/ ٤٨، كما نصّ عليها القرطبي في جامعه: ٢/ ١٨٣.
(٥) انظر عيون المجالس: ٢/ ٨١٦.
(٦) "خلافًا" زيادة يقتضيها السياق.
(٧) الّذي أخرجه مالك في الموطّأ (١٠٩٢) رواية يحيى.
(٨) البقرة: ١٥٨.
(٩) وهي: {ألَّا يطَّوَفَ بهما} انظر المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جنّي: ١/ ١١٥.
(١٠) يقول الطّبريّ في تفسيره: ٣/ ٢٤٥ (ط. شاكر) "ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين، غيرُ جائز لأحد أنّ يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها ... وقد روي إنكار هذه القراءة وأن يكون التنزيل بها عن عائشة".
(١١) عبارة أم المؤمنين عائشة كما في حديث الموطّأ (١٠٩٢) رواية يحيى هي: "كلّا، لو كان كما تقول [تقصد قول عروة بن الزّبير]، لكانت فلا جناح عليه أنّ لا يَطوَّف بهما" وانظر الإجابة للزركشيّ: ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>