للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رَجُلٍ يبيعُ طعامًا مُصْبَرًا، فأدخلَ يدَهُ في الصُّبْرَةِ، فرأَى فيها بَلَلًا قد أصَابَتْهُ السَّمَاءُ، فأخْرَجَهُ إلى ظاهرِ الصُّبْرَةِ، وقال: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (١).

ويدخلُ فيه بيعُ الصُّبْرَةِ يعلَمُ البائعُ كَيْلَها ولا يَعْلَمُ المُبْتَاعُ ذلك، فلا يجوزُ حتَّى يَعْلَمَا ذلك جميعًا أو يَجْهَلَا ذلك جميعًا، وهي مسألةٌ يُحاجَى بها على الطَّلَبَةِ، فيقال لهم: هل يجوزُ بَيْعُ المُجازَفَةِ؟ فيقولون: لا، وذلك جائزٌ، فإنَّهما إذا جَهِلاها جميعًا، أو عَلِمَاها جميعًا، جازَ ذلك كما قدَّمنا، وإنّما يَمْتَنِعُ ذلك من الجهةِ الواحدةِ. ومِنْ ذلك: يَدْخُلُ الرَّجُلُ السُّوقَ بِفَصٍّ يَظُنُّه زُجَاجًا، فإذا رآهُ المشتري تحقَّقَ أنَّه فَصُّ ياقوتٍ، فهذا غِشٌّ، إنِ انعقدَ البَيْعُ عليه لم يَجُزْ، وكان البائعُ بالخِيَارِ، ونظائرُهُ كثيرةٌ.

القاعدةُ السّابعةُ (٢)

اعتبارُ الحاجةِ في تجويز الممنوعِ، كاعتبار الضّرورةِ في تحليلِ المُحَرَّمِ. ومن ذلك: استثناءُ القَرْضِ من تحريمِ بَيْعِ الذَّهبِ بالذَّهبِ إلى أجلٍ، وهو شيءٌ انْفَرَدَ به مالكٌ ولم يجوِّزه أحدٌ من العلّماءِ سِوَاهُ، لكن النَّاسَ كلَّهم اتَّفقوا على جوازِ التّأخيرِ فيه من غيرِ شَرْطٍ بِأجَلٍ، فهذا جازَ التَّفرُّقُ قبلَ التَّقابُضِ بإجماعٍ، فضَرْبُ الأَجَل أتمُّ للمعروفِ وأَبْقَى للمَوَدَّةِ.

وَعَوَّلَ في ذلك علماؤُنا على قولِ النَّبيِّ عليه السّلام: "أنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ قبلَكُمْ


(١) رواه مسلم (١٠١) من حديث أبي هريرة.
(٢) انظرها في القبس: ٢/ ٧٩٠ - ٧٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>