للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَسْلَفَ من رجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ إِلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا جَاءَ الأَجَلُ، طَلَبَ مَرْكَبًا يَخْرُجُ فِيهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَخَذَ قِرْطَاسًا وَكَتَبَ فِيهِ إِلَيْهِ، وَنَقَرَ خَشَبَةً فَجَعَلَ فِيهَا الْقِرْطَاسَ وَالأَلْفَ دِينَارٍ، وَرَمَى بِهَا في الْبَحْرِ، وَقَالَ: اللهُمَّ إِنَّهُ قَدْ قَالَ لِي حِينَ دَفَعَهَا إِليَّ: اشْهَدْ لِي، قُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، وَقَالَ: ائْتِ بِكَفِيلٍ، قُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ وَكيلًا، اللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْتَ الكَفِيلُ بِإِبْلاغِ الأَلْف، قَال: فَخَرَجَ صَاحِبُهُ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَحْتَطِبُ، فَرَفَعَ الْبَحْرِ لَهُ الْعُودَ فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا فَلَقَهُ وَجَدَ الْمَالَ والْقِرْطَاسَ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ وَجَدَ مَركبًا فَأخَذَ الْمَالَ ورَكِبَ فِيهِ وحَمَلَ المالَ إِلَيهِ، فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: قَدْ أَدَّى الله عَنْكَ أمَانَتكَ" (١).

فإن قيل: هذا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا.

قلنا: كلُّ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ لنا ممَّا كان عَمَلًا لِمَنْ قَبْلَنَا في مَعْرِض المدحِ فإنَّه شَرْعٌ لنا، وقد مهَّدنا ذلك في "الأصولِ" (٢).

ومن ذلك: حديثُ العَرَايَا، وبَيْعُ التَّمْرِ على رؤوسِ النًخْلِ بالتَّمرِ الموضوعِ على الأرضِ.

ومن ذلك: استثناءُ نَخْلَةٍ من النّخلاتِ، وذلك جائزٌ في القليلِ دونَ الكثيرِ، وبناهُ علماؤُنا وكثيرًا من مسائل البيوع على أنَّ المُسْتَثْنَى هل هو مَبِيعٌ مردودٌ بالاستثناء، أو مُبْقَى على أصلِ المِلْكِ، وهذه جهالةٌ عظيمةٌ، وخَلْطُ النَّسخ بالاستثناءِ، فإنَّه لا خلافَ بين العقلاءِ ولا بين العلماء في أنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ بالخطاب الثّاني لِمَا تضمَّنَهُ الخطابُ الأوَّلُ (٣)، وأنَّ الاستثناءَ بَيَانٌ بالخطابِ الثّاني لِمَا احْتَمَلَهُ الخطابُ الأوَّلُ من عمومٍ أو خصوصٍ (٤).

ولو أنَّ أحدًا من العلّماءِ يقولُ: إذا قالَ الرَّجلُ لزوجه: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إِلَّا واحدَةً،


(١) أخرجه البخاريّ (٢٢٩١) معلّقًا، من حديث أبي هريرة، وقد وصله في الحديث (٢٠٦٣).
(٢) انظر أحكام القرآن: ١/ ٢٧١.
(٣) انظر في تعريف النّسخ عند المؤلّف: عارضة الأحوذي: ٧/ ٢٣٢، والمحصول في علم الاصول: لوحة ٦٢/ أ.
(٤) انظر المحصول في علم الأصول: لوحة ٣٢/ ب، والإحكام: ٣/ ١١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>