للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب البيوع]

ولا بدّ فيه من مقدِّماتٍ وقواعدَ وتمهيداتٍ تُفسِّر لَكَ ما أشْكلَ منه، وتوضِّحُ لك ما خَفِيَ منه، وإقامة الأدلَّة من الكتاب والسُّنَّةِ. قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١) وهذه الآيةُ الأصلُ في جَوَازِ البيوعِ كلِّها، واختلفَ العلّماءُ فيها، هل هي مُجْمَلَةٌ أو عامَّةٌ؟ والصَّحيحُ عندنا أنَّها عامَّةٌ في كلِّ بيْعٍ.

فإن قيل: فإذا كانتِ الآيةُ عامَّةَ، فَلأَيِّ شيءٍ لم تجزْ بعضُ البيوع؟

قلنا: ما نقضّ البيوعَ لم يجُز؛ لأنّها خرجَت بدليلٍ، وهو قولُه عليه السّلام، وما دَاخلَهُ فسادٌ لم يجز؛ لأنّ حدَّ العامِّ: ما اشتمل اثنانِ فصاعدًا.

وقولُه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} (٢) قالت ثَقِيف: كيف نتبرّأ عن الرِّبا وهو مثل البَيْع؟ فنزلت فيهم الآية (٣).

قال علماؤنا: الرِّبَا كناية عن استجابةٍ في البُيْعِ وقَبْضِهِ بالْيَدِ؛ لأنّ ذلك إنَّما يفعَلُه المُرْبي قَصْدًا لما يأكلُه (٤).

والرِّبا في اللّغة: الزِّيادة، وكان الرِّبَا عندهم معروفًا، يُبَايع الرّجلُ الرّجلَ إلى أجَلٍ، فإذا جاء الأجَلُ، قال: تعطني أم تربي على ما عليه؟ أو تضرب أجلًا آخر؟ فحرَّمَ اللهُ الرِّبا، وسيأتي بيانُه في موضعه إنَّ شاء الله.


(١) البقرة: ٢٧٥.
(٢) البقرة: ٢٧٥، وانظر شرحه للآبة في أحكام القرآن: ١/ ٢٤٠.
(٣) أخرجه مطوّلًا أبو يعلى في مُسْندِه (٢٦٦٨) والواحدي في أسباب النزول: ١٢٥ من طريق أبي يعلى، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: ٤/ ١١٩ وقال: "رواه أبو يعلى وفيه محمّد بن السائب الكلبي، وهو كذّاب".
(٤) "فعبَّرَ بالأكل عنه، وهو مجازٌ من باب التّعبير عن الشِّيءِ بفائدته وثمرته، وهو أحد قسمي المجاز" قاله ابن العربي في أحكام القرآن: ١/ ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>