للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ (١)

السَّلَفِ وَبَيعِ العُرُوضِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ

ثبت عنه - صلّى الله عليه وسلم - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيعِ وَسَلَفٍ.

قال الإمامُ: أدخله مالك (٢) بَلَاغًا, ولا أعلمُ له سَنَدًا صحيحًا، رواه التّرمذيّ (٣) وقال: هو حديثٌ صحيحٌ (٤).

فإن قيل: كيف يصحُّ وهو من حديث عَمْرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جدِّه، أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لَا يَحِلُّ بَيْعٌ وَسَلَفٌ" وإجماعُ (٥) الفقهاء على العمل به يدلُّ على صِحَّتِه، ومعناه يقيِمَ له مقامَ الإسناد.

قال الإمام: ويركَّبُ على هذا الحديث أصلٌ بديعٌ من أصول المالكيّة، وهو أنّ كلَّ عَقدين يتضادَّانِ وضعًا ويتناقضان حُكمًا، فإنّه لا يجوزُ اجتماعُهُما، أصلُه البَيْعُ والسَّلَفُ، فَيُرَكَّب عليه في جميع المسائل، ومنه البيعُ والنِّكاحُ، وذلك لأنّ البَيْعَ يُبْنَى على المُغَابَنَةِ والمُكَايَسَةِ، خارجٌ عن باب القُرَبِ والعباداتِ، والسَّلَفَ مُكَارَمَةٌ وقُربَةٌ، ومن هذا الباب الجمعُ بين العقدِ الواجب والجائز، ومِثلُه بيع وجِعَالَةً. ويدلُّ على ذلك أنّ أخذ العِوَضِ في الجعَالَةِ مجهولٌ ولا يجوزُ أنّ يكون معلومًا، فإنّه إنَّ كان معلومًا خرج عن باب الجَعلِ وأُلحِقَ بباب الإجارة، وأمثالُ ذلك لا تُحْصَى، وفي هذه الإشارة إلى أنواعه نبذة كافية، فتأمّلوها فهي خيرٌ لكم من كتاب.


(١) انظره في القبس: ٢/ ٨٤٢ - ٨٤٣.
(٢) في الموطَّأ (١٩٢٠) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٢٦٢٤).
(٣) في جامعه الكبير: الحديث (١٢٣٤).
(٤) الّذي في الجامع الكبير: "حسن صحيح".
(٥) نفضِّل إضافة كلمة "قلنا" قبل كلمة "وإجماع" مع حذف الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>