للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بلد العدوِّ.

ووجه ما قاله مالك: أنّ من أخرج شيئًا في سبيل الله، فقد عيَّنَةُ للغزو والعون عليه، وليس القُفول منه بسبيل، فمن فَضَلَ له منه شيء بعد ذهابه على قول مالك، أو بعد قُفوله على قول ابن حبيب، فهو مخيَّرٌ بين أنّ يردّه إلى من أعطاه إيَّاه، أو يعطيَهُ في سبيل الله.

وأمّا الضّرب الثّاني: أنّ يتعيَّنَ على المكلَّفِ الجهاد، وهو يتعيَّنُ من وجهين:

أحدهما: أنّ يوجب ذلك على نفسه بنذر أو قسم.

والثّاني: أنّ يتعيّن عليه بأصل الشّرع لِقُوَّةِ العدُّوِّ وضعف المسلمين عنه (١)، فإنّه يتعيّن عليه وجوبه، وعصيان أبويه في ذلك.

باب جامع النّفل في الغزو

الفقه في مسألتين:

المسألة الأولى (٢):

قوله (٣): "وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا" يريد أُعْطُوْا زائدًا على ما وجب لهم، وهذا يقتضي أنّ النّفْلَ من الخُمْسِ، وذلك أنّه سَوَّى بينهم في النَّفل فنُفّلُوا بَعِيرًا بعيرًا، فلو كان النَّفل من الأربعة الأخماس الّتي لهم، لما كان في ذلك فائدة؛ لأنّ ذلك كان يكون حالهم لو لم ينفلوا، وهذا مذهبُ مالكٍ (٤)، أنَّ النّفلَ لا يكون إِلَّا من الخُمْسِ، وبه قال


(١) تَتَمَّةُ الكلام كلما هو في المنتقى: "فأمَّا إنَّ أوجب ذلك على نفسه، فلا يمتنع منه لمنع أبريه، وإن كان وجب ذلك عليه بأصل الشّرع لم يمتنع منه لمنع أبويه. والفرق بينهما: أنّ حقّ أَبَوَيْهِ قد وجبَ علبه، فليس له أنّ يسقطه بنذر يلزمه نفسه، وليس كذلك ما ثبت بأصل الشّرع, فإنّه يجب بالوجه الّذي وجب به حقّ أَبَوَيْهِ، فهذا كان آكد من حقّ أَبَوْيْه لم يكن لهما المنع منه".
(٢) هذه المسألة مقتبة من المنتقى: ٣/ ١٧٦.
(٣) في الموطَّأ (١٢٩٩) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (٩٣٣)، والقعنبي عند الجوهري (٦٧١)، وعبد الرّحمن بن مهدي عند أحمد: ٢/ ٦٢، وعبد الله بن يوسف التنيسي عند البخارىّ (٣١٣٤)، ويحيى بن يحيى النيسابوري عند مسلم (١٧٤٩)، وخالد بن مخلد عند الدّارمي (٢٤٨٤)، وابن وهب عند البيهقي: ٦/ ٣١٢.
(٤) كلما نصَّ على ذلك ابن الجلّاب في التفريع: ١/ ٣٥٨، وابن أبي زيد في النوادر: ٢٧٣، والرسالة: ١٩١، والقاضي عبد الوهّاب في المعونة: ١/ ٦٠٧، وابن عبد البرّ فى الكافي: ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>