للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روايات "الموطَّأ"

شاع ذِكْرُ مالك بن أنس في عصره، فملأ العالم - الإِسلامي ما بين المشرق والمغرب، وتحدَّث النّاسُ بعِلْمِه وفِقْهه، وتذاكروا موطّأه وعجيب تصنيفه له، وعظيم تحَرِّيه فيه، فسرعان ما ضربت النَّاس إليه أكباد الإبل، يسألونه الفُتْيا، ويطلبون عنده العِلْم، ويتخرّجون بين يدَيه في الفقه، فكان مجلسه غاصَّا بالمستفتن والرّاوين والمتفقهين، بين المقيمين منهم والعابرين، وبذلك كَثُرَت الرِّواية عنه واختلفت أوجهها. وكان كتاب "الموطَّأ" نظام ذلك العِقْد وقُطب تلك الدّائرة.

ولم يكن تأليف الإمام مالك للموطّأ كعادة الطّبقات المتأخِّرة في تصانيفهم، بل كَتَبَه بيده، لئلّا يغلط فيما يلقيه على الجماعة، ثم وكّل به كاتبًا له اسمه "حبيب" فنَسَخَه له، وكان يقرأه حبيب للنّاس في حلقته بين يديه، وهو على منصّته يسمع ورواد الحلقة يكتبون، وأحيانًا يقرأ من كُتُبٍ من إملاء حبيب، لتصحيح ما كَتَبَ بسماع مالك إياه وإقراره عليه (١)، وفي هذه القراءة


(١) كان مالك - رحمه الله - لا يرى فوقًا في السّماع بين أن يقرأ المحدِّث على رُواته، وبين أن يقرأ بعضهم عليه وهو يسمع والبقية يسمعون، وقد ذكر البخاري في باب القراءة والعرض على المحدِّث من كتاب العلم من صحيحه فقال: سمعتُ أبا عاصم يذكر عن سفيان الثوري ومالك أنهما يربان القراءة والسماع جائزا، وأن القراءة على العالِم وقراءَتَة سواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>