آنفا، وحول منهجه هذا يقول في مقدّمة طبعته للموطّأ:"فكنتُ أقارنُ نصوص بعضها [أي المطبوعات] ببعض، فما اتَّفق الجميع عليه وأيقنتُ أنَّه الصَّواب أثبتُّهُ، وما اختلف فيه رجَّحتُ الجانب الَّذي به شرح الزَّرقاني والنسخة المطبوعة في الهند عام: ١٣٠٧هـ، بعد أن أرجع إلى معاجم اللّغة وكتب الحديث والرجال، فخلصت لي من هذه النُّسخ جميعها نسخة ما ألوتُ جهدًا في أن تكون أصحّ ما أخرجته المطابع العربية في العالم الإِسلامي".
قلنا: لا شكّ أن هذا المسلك الَّذي سلكه الأستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله وغفر لنا وله- يُعدُّ خَرْقَا واضحًا للنَّهج الأمثل في قراءة النُّصوص وإعدادها للنّشر، فالتّهاون في البحث عن النُّسَخ المخطوطة، والاقتصار في النّشر على المطبوع عمل غير علميّ، وقد أدَّى هذا التّهاون إلى نتائج غير مرضية، فطبعةُ عبد الباقي المتداوَلَة بين النّاس اليوم لا يعتمدُ عليها، إذا ما طبَّقنا عليها موازين النَّقد عند المحدِّثين، وأصول التّوثيق العِلْميّ عند المعاصِرِين.
عبد الباقي والأعْظَمِيّ وتصرّفهما في كُتُب وأبواب رواية يحيى:
وأوُّل ما يُستَغرَب في صنيع الأستاذ محمّد فؤاد عبد الباقي، هو قيامه بالتصرّف في تقسيم كُتُبِ وأبواب "الموطَّأ"، فاجتهد في وضع كتب وأبواب لا توجد في أيّ من الأصول المخطوطة، ومُسْتَنَدُه في اجتهاده: هو أن ترقيم كتب وأبواب "الموطَّأ" سيتلاءم مع الأرقام الَّتي وضعها المستشرق الهولندي فنسيك في "مفتاح كنوز السنة"، وما صنعه جماعة المستشرقن الأعاجم في "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النّبويّ".