للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثّاني في إكرام الجار وأنّ حقوقه متأكدة

فإنّ (١) الله تعالى قد أوْصَى بالجارِ ذي القُرْبَى، والجَارِ الجُنب (٢). وقال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجارِ حتّى ظننتُ أنّه سَيُوَرِّثُه" (٣).

وقد صحّ عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - في حقوق الجوار أحاديث كثيرة، وقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لا يؤمنُ جارٌ حتَّى يَأْمَنَ جارُهُ بوائِقَهُ" (٤).

وذكر مالكً، عن أبي حَازِم، أنّه قال: كان أهلُ الجاهليَّةِ أبرَّ بالجارِ منكم.

واختلف النَّاس في حدِّ الجوار: فقيل في ذلك: أربعون دارًا (٥)، وليس في ذلك حديثٌ يُعوَّلُ عليه.

والجارُ على الحقيقةِ من كان قريبًا منك، أو من يجمعك معه مجلسٌ أو مسجدٌ، أو تناوله ويناولك مثل نار أو ملح وغير ذلك.

وأنشد (٦):

نَارِي وَنَارُ الْجَارِ واحِدَةٌ ... وإليه قَبْلِي ينْزِلُ القِدْرُ

مَا ضَرَّ جارًا لي أُجَاوِرهُ ... إلّا يكون لِبَابِهِ سترُ

أعمَى إذا ما جَارَتِي بَرَزَتْ ... حتّى يُوَارِى جارتي الخِدْرُ


(١) من هنا إلى آخر قول أبي حازم مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ٣٠٣ - ٣٠٤، بتصرُّف يسير.
(٢) وذلك في سورة النِّساء، الآية: ٣٦.
(٣) أخرجه البخاريّ (٦٠١٥)، ومسلم (٢٦٢٥) عن ابن عمر.
(٤) أخرجه مسلم (٤٦) من حديث أبي هريرة بلفظ: "لا يدخل الجنَّة من لا يأمن جاره بوائِقه".
(٥) وهو ما رواه الزّهري قال: جاء رجل يشكو جاره، فأمر النّبىُّ - صلّى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي: ألَّا إنَّ أربعين دارًا جار، فلابد يدخل الجنّة من خاف جاره بوائقه.
أخرجه أبو داود في المراسيل (٣٥٠)، ووصله الطبراني في الكبير: ١٩/ ٧٣ (١٤٣) من رواية الزّهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه. وضعفه العراقي في المغني: ٢/ ٢١٣، وقال الهيثمي في المجمع: ٢/ ١٦٩ "رواه الطبراني وفيه يوسف بن السَّفر وهر متروك".
(٦) هذه الأبيات هي لمسكين الدّارمي في ديوانه المجموع: ٤٥، كما ذكرها الأصبهاني في الأغاني: ٢٠/ ٢١٤، وانظر سمط اللآلي: ١/ ١٨٦، والاستذكار: ٢٦/ ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>