للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على التَّمَرُّن على العبادات لا ضربَ تكليفٍ، ولكن ضَرْبَ تأنِيسٍ وتدريبٍ، حتّى يأتيَهُ التّكليفُ على عادةٍ، فَتخِفُّ عليه المشقَّةُ في العبادة.

ولقد انتهتِ الحالُ بالشّيخِ المعظَّم أبي بكر الشّاشىِّ القَفَّال إلى طرْدِ ذلك حتَّى في العباداتِ، وصنَّفَ في ذلك كتابًا كبيرًا سمَّاهُ "محاسن الشّريعة" (١) وليس له فيه نكتَةٌ بديعةٌ (٢).

والدّليلُ على صِحَّة ما صار إليه مالكٌ مِنْ انفرادِه في تعويلِهِ عليها واختصاصِهِ بها دون سائرِ العلماء، اتّفاقُ أربابِ الحَلِّ والعقْدِ على أنّ الجماعةَ يُقْتَلُون بالواحدِ قِصَاصًا؛ استبقاءً للباقِينَ واستصلاحًا لحَالِهِم، وقد قَتَلَ عمرُ نَفَرًا بواحدٍ قتلُوهُ غِيلةً، ولم يَلتفِتْ عمرُ إلى الغِيلَة، بل قال: لو تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْل صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ (٣)، فإن أَلْفًا يُقْتَلُونَ باغتيالِ حمارٍ، فكيف باغتيالِ إنسانٍ (٤)؟! فدلَّ على أنَّ المُعتبرَ إنّما كان بالرّدعِ.

وكذلك اتّفقوا على أنَّ حِرْمَانَ القاتلِ الميراثَ رَدْعًا وسَدًّا للذَّريعةِ.

وكذلك قال عمرُ: مَنْ نَكَحَ في الْعِدَّةِ لا يتناكحان أبدًا (٥).

وكذلك وَقَعَ تأبيدُ التَّحريمِ في اللِّعانِ (٦).

وكذلك راعَى مالكٌ المقاصدَ في تحقيقِ الجِنْسِيَّةِ في الأموالِ الرَّبَوِيَّةِ. وقال سائرُ


(١) قال محمّد بن الحسين السليماني: أقوم بإعداده للنشر بالاشتراك مع أخي الأستاذ أحمد الريسوني، بالاعتماد على نسختين خطيّتين، أسأل الله العون والتَّيسير.
(٢) كذا بالأصل، ولا ندري ما السِّرُّ في هذا الحكم القاسي على الكتاب.
(٣) رواه مالك في الموطَّأ (٢٥٥٢) رواية يحيى.
(٤) هذا من أغرب ما أورده المؤلِّف في هذا الكتاب وفي القبس أيضًا، والغالب أنّ تصحيفًا وقع في النسخ الخطية.
(٥) رواه مالك في الموطَّأ (٥٤٥) رواية محمّد بن الحسن، وكذلك رواه ابن وهب في المدوّنة:٥/ ٤٤٢ (ط. صادر).
(٦) قال مالك في الموطَّأ (١٦٥٣) رواية يحيى: "إنَّ السُّنَّةَ مضَت: أنّ المتلاعِنَيْن لا يتراجعان أبدًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>