الفقهاءِ: إنّما يُعتبرُ الجِنْسُ في الصُّورة والهيئَةِ، وما قاله مالك أَوْلَى؟ لأنّ المطعوماتِ والحيوانات لم تكن أجناسًا بصُوَرِها، وإنّما كانت أجناسًا بمنافِعِها المقصودة منها وصفاتِها الّتي تتفاوتُ بها، حتَّى جعلَ مالكٌ الشّعيرَ والقمحَ صِنْفًا واحدًا، وهي أَعْسَرُ مسألةٍ علينا في الأجناسِ، لكن رأى مالك - رضي اللهُ عنه - قربَ ما بينهما، إذ لُبابُ الشَّعيرِ يُوَازِي دقيقَ الخُشْكَارِ (١) فيلتقيان على الطّرفين.
وكما تُراعِي حُزمَةُ الرَّبَا في التّفرقةِ باعتبار* الثّمنيّة، وفي الأعيان الأربعة باعتبار* القُوتِ والطَّعامِ، كذلك يراعي في الجِنسِ أنّ يقولَ في علّة الرِّبا: مقتاتٌ جنسيّ، فلا يجوزُ التفاضلُ مع الأَجَلِ* في المُقْتاتَينِ، كانا جنسين أو جنسًا واحدًا، كذلك لا يجوزُ التّفَاضُلُ مع الأجَلِ* في الجنسِ الواحد، كانا مُقتاتَين أو غير مُقتاتَين.
وكذلك اعتُبِرَ قَصدُ المعروفِ في العَرَايَا، واستُثنِيَتْ من قواعد الرِّبا لخروجها عن مقصودِ البَيع في المكايسةِ، وانخراطها في شِعْبِ الرِّفقِ والمُكَارَمَةِ، وعليها بَنَى مالكٌ مسائلَ الأثمان كلّها.
إذا تمهّدت هذه القواعدُ، عُدْنَا إلى الأبوابِ، وأرينَاكُم بناءَها عليها، ورجوعَها إليها، حتّى تعلموا شفوفَ مالكٍ في الإدراكِ على سائرِ العلماء, وتكونُوا متَّبعِينَ له في الحقيقة، سالكين معه على الطَّريقةِ.