للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد قضاء الحَجِّ، دلَّ على أنّ الثلاثة ليست في حُكْمِ الإقامة المحرَّمَة، فعدلَ عن هذا الحديث وترَكَهُ؛ لأنّه من رواية الوحْدَانِ، واللهُ أعلم.

وسمعتُ بعض علماء المالكية وأحبارها يقول: إنّما كانت الثلاثة الأيام خارجة عن حُكْمِ الإقامة؛ لأنّ الله تعالى أَرْجَأَ فيها مَنْ أنزلَ به العذاب وتيقَّنَ الخروج عن الدُّنيا، فقال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} الآية (١). وأدخل (٢) قول سعيد بن المسيَّب: "مَنْ أَجْمَعَ إقَامَةَ أربعة أيّامٍ (٣) وهو مسافرٌ، أتَمَّ الصّلاَة" إذ لم يجد أَنصَّ منه في الغَرَضِ، وإن كان ليس بحُجَّةٍ يُتَوَسَّل به إلى طلب الحُجَّة.

تكملة (٤):

لم يختلف العلماء في مكثه عام الفتح بمكَّة -عليه السّلام-، واختلفوا في قَدْرِ ذلك على أقوال:

القول الأوّل: ما ذكره مالكٌ (٥)، وقوله (٦): "أَحَبُّ ما سمعتُ إِلَيَّ في ذلك" لأنّه سمع الخلاف فيه.

القول الثّاني: قال الشّافعيّ (٧): إنّ عزم أنّ يقيم بموضع أربعة أيّام ولياليهنّ أَتَمَّ الصّلاة، ولا يجب ذلك يوم نزوله.

وأسند أبو بكر بن أبي شَيبَة في مُسْنَدِه (٨)، عن ابن المسيَّب قال: إذا أجمعَ الرَّجُلُ إقامةَ خمسة عشر أتَمَّ الصّلاة، وهو حديثٌ صحيحُ الإسناد.

وقال اللَّيث: إنّ نَوَى إقامة خمسة عشر فما دون قَصرَ، وإن نَوَى أكثر من ذلك أَتَمَّ الصّلاة، وزعم أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لم يقصر، مقيمًا في سَفَرِهِ أكثر من هذه المدّة، فمن زاد عليها شيئًا لَزِمَهُ الإتمام.


(١) هود: ٦٥.
(٢) الإمام مالكٌ في الموطَّأ (٤٠٢) رواية يحيى.
(٣) في الموطَّأ: "أربع ليالٍ".
(٤) هذه التكملة مقتبسة من الاستذكار: ٦/ ١٠١ - ١٠٧ بتصرّف.
(٥) في الموطَّأ (٤٠٢) رواية يحيى.
(٦) عقب الأثر السّابق.
(٧) في الأم: ٣/ ٢٧، وانظر الحاوي الكبير: ٢/ ٣٧١.
(٨) وكذلك رواه في مصّنفه (٨٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>