للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكراهية، ولا يُوجِبُ التّحريم. ومن لفظ: {فَلْيُقَاتِلْهُ} يعرف التّحريم؛ لأنّ القتال لايكون إلَّا على الحرام. وإذا قلنا: إنّ اللَّعْنَ هو مراد قوله: " {فَلْيُقَاتِلْهُ} فاللَّعنُ لا يكون إلَّا لمن ارتكبَ محظورًا، وقد يكون معنى: {فَلْيُقَاتِلْهُ} الدَّفع، وقد يكون التوبيخ.

وقول كعب (١): "لكانَ أنّ يَخْسِفَ بِهِ" لا دليل فيه؛ لأنّه تابع. وأيضًا: فإنّما يخبر عن التّوراة، وقد قال -عليه السّلام-: "لا تُصَدِّقُوا أهلَ الكتابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ" (٢).

المسألةُ الخامسة (٣):

اختلف العلماء إذا جاز بين يَدَيْهِ ثمّ أدركه، هل يردّه أم لا؟ على ثلاثة أقوال: الأوّل: قال ابن مسعود: يردّه، ورُوِيَ ذلك عن سالم (٤) والحسن البصريّ. القول الثّاني: قال الشّعبي: لا يردّه إذا جاز بين يَدَيْه؛ لأنّ ردَّهُ مرورٌ ثانٍ، ولا وجه له. وهذا قول مالك والثّوري وإسحاق.

المسألةُ السّادسة (٥) - وهي مسألة أصولية-:

قوله (٦): "فإنّما هو شَيْطَانٌ" اعلم أنّ الشَيطانَ ليس آدميًا, ولا الآدميّ شيطانًا، ولكنّه لمّا أراد أنّ يفعل فعل شيطان (٧) في الشَّغْلِ عن الصّلاة وقطع المرء عن العبادة جعل له مَثلًا، فكان تقدير الكلام: فإنّما هو شيطان شَغْلًا عن الصّلاة وقَطْعًا. الّذي بَيَّنهُ ما رواه مسلم (٨) عن ابن عمر في هذا الحديث بعينه، قال الّذي: "فإنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فإنَّ معه القَرِين" إشارةَ بأنَّ صاحبَهُ من الشيطان هو الّذي قَادَهُ إلى القطع لصلاته. وقد ثبت عن النَّبيِّ -عليه السّلام- أنَّه قال: "مَا مِنكُمْ مِن أَحَدٍ إلا وَلَهُ شَيْطَانٌ" قيل له: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: "ولا أنا، إلَّا أَنَّ الله أَعَانَنِي عليه فأَسْلَمَ، فلا يَأمُرُنِي إِلَّا بِخَيرٍ" (٩).


(١) في الموطَّأ (٤٢٣) رواية يحيى.
(٢) أخرجه البخاريّ (٧٣٦٢) من حديث أبي هريرة.
(٣) هذه المسألة مقتبسة من شرح ابن بطّال: ٢/ ١٣٧.
(٤) هو سالم بن عبد الله.
(٥) انظرها في القبس: ١/ ٣٤٢ - ٣٤٣.
(٦) في حديث الموطَّأ (٤٢١) رواية يحيى.
(٧) في القبس: "الشيطان".
(٨) في صحيحه (٥٠٦).
(٩) أخرجه مسلم (٢٨١٤) من حديث عبد الله بن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>