للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أكثر - فمات وهي ألف حديث ونيف، يخلِّصها عامًا عامًا، بقدر ما يرى أنَّه أصلح وأمتن في الدِّين" (١)، وبذلك كان مالك لهذه الأُمَّة إمامًا هاديًا، أراها كيف تخدم الفقه بالعلم، وتجمع بين الأثر والنَّظَر، ونُقيم مِعْيار النّقد للأخبار المأثورة عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حتى لا يختلط عليها من أمر دينها ما يُنافي عِصمته ويخلّ بأحكامه.

وقد أظهر مالك طريقته الَّتي سار عليها في الرِّواية في كتابه "الموطَّأ" فأثبت فيه أحسن ما صحّ عنده من الآثار المرويّة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما رُوِي عن الخلفاء الرّاشدين، وفقهاء الصّحابة، ومَنْ بعدهم من فقهاء المدينة، وما جرى عليه عملهم بالمدينة، مما يرجع إلى تَلَقَّي المأثور من عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الرّاشدين، وقضاة العدل وأيمّة الفقه (٢).


(١) عن ترتيب المدارك: ١/ ٧٣. قلنا: هذه الرِّواية تحتاج إلى دراسة نقديّة متأنية سَنَدًا ومتنًا، فإنّ مرويات الإمام مالك [غير ما في الموَطَّأ]، الّتي تلقّاها الناس بالقبول، ودوَّنوها في كُتُبهم -مثل الصحيحين والسُّنَن والمسانيد المشهورة- كثيرة، ومُعظمها تُعْتَبَرُ أصولا في أبوابها، وقدَّمها أكثر المؤلِّفين على غيرها من الأحاديث، وعلى العكس من ذلك، هناك أحاديث وآثار كثيرة موجودة في الموطّأ ولم يقتبسها المؤلِّفون، ولم توجد لبعضها أسانيد متّصلة صحيحة، ولعلّ المقصود -فيما يرى الأخ محمَّد عُزَيْر شمس -من هذه القولة -إذا صَحَّت- أن الإمام انتقى موطأه من أربعة آلاف حديث أو أكثر مما رواها عن شيوخه بالمدينة النبوية المنورة وهذا يوافق -إن شاء الله- عدد جميع الأحاديث المروية من طريق الإمام الموجودة في المسانيد والجوامع المتفرِّقة [إذا أحصيت] والموطّأ منتقى منها، والله أعلم.
(٢) مقدمة كتاب "كشف المغطّى" لشيخ شيوخنا محمَّد الطاهر بن عاشور: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>