للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن (١) داود (٢) عن الزهريّ، عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جدِّه؛ أنّ في الكتاب الّذي كَتَبَهُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - إلى أهل اليَمنِ في السُّنَنِ والفَرَائِضِ والدِّيَات: "ألَّا يَمَسُّ القُرآنَ إلَّا طَاهِرٌ" (٣).

قال الإمام الحافظ (٤): وكتابُ عَمْرو هذا قد تَلقَّاهُ العلماءُ بالقَبُولِ والعَمَلِ، وهو عندهم أشهر وأظهر؛ لأنّه لا يجوز أنّ يمسَّ القرآن إلَّا طاهرٌ.

وبهذا (٥) قال مالكٌ والشّافعىّ وأبو حنيفة وجماعة الفقهاء، إلّا داود (٦) فإنّه قال: لا بأس أنّ يمسَّ القرآن الجُنُب والحائض والمُحْدِث.

والدَّليلُ على صحة ما ذهب إليه مالكٌ، قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} الآية (٧)، هذا نَهْيٌ وإن كان لَفْظُه لفظ الخَبَر.

الأصول (٨):

قال علماؤنا: لا يجوزُ للمُحْدِثِ أنّ يمسَّ المُصْحَف، لقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (٩). فإن قيل: هذا خبرٌ، والخبرُ من الله لا يجوز أنّ يقَعَ بخلاف مُخْبره؛ لأنّه يكون كَذِبًا، وذلك يستحيل في وَصْفِهِ، فدلّ أنّ المرادَ به خبر الله تعالى عن الملائكة المُقَرَّبِينَ في الصُّحُفِ الّتي عندهم، هذا منتهى كلامهم، وهو ساقطٌ جدًّا؛ لأنّ الخَبَرَ لا يجوز أنّ يكون بمعنى الأمر، كما لا يجوز أنّ يكون الأمر بمعنى الخبر، كما لا يجوز أنّ يكون كلَّ واحِدٍ منهما بمعنى النَّهْيِ. ولا يجوز أنّ يكون النّهي (١٠) بمعناهما؛ لأنّ الكلام له حقيقة يتفرَّد بها عن العِلْم والإرادة، وكذلك أيضًا أقسامه (١١)


(١) غ، جـ: "أبو" والمثبت من الاستذكار.
(٢) هو سليمان بن داود.
(٣) أخرجه الدارميّ (٢٢٦٦)، والدراقطنى: ١/ ١٢٢، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١٧/ ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٤) الكلام موصول للإمام ابن عبد البرّ.
(٥) من ها هنا إلى آخر المسألة مقتبس من المنتقى: ١/ ٣٤٣.
(٦) قول داود من زيادات المؤلِّف على نصِّ الباجي.
(٧) الواقعة: ٧٩.
(٨) انظر كلامه في الأصول في القبس: ١/ ٣٩٧ - ٣٩٨.
(٩) الواقعة: ٧٩.
(١٠) "النّهي" زيادة من القبس.
(١١) غ: "القسامة" جـ: "انقسامه" والمثبت من القبس.

<<  <  ج: ص:  >  >>