للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام: حديثُ كيف يأتيكَ الوَحْيُ؟ هو سؤال عن الكَيْفِيَّةِ؛ لأنّه كان يأتيه الوَحْيُ على ثلاثةِ أنواعٍ (١):

أحدُها: كَدَوِيِّ النَّخل، رواه عمر (٢).

الثّاني: مثلُ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ في شدَّةِ الصَّوت، وهو أشدّ عليه (٣).

الثّالث: وقد كان يأتيه رجل فيكلِّمه، وهو أَخَفُّهُ (٤).

والحِكمَةُ في ذلك؛ أنّ البارى تعالى كان يقلِّب عليه هذه الأحوال زيادةً في الاعتبار وقوَّةً في الاستبصار، فبوَّب البخاريّ: باب كيف كان بدءُ (٥) الوَحْي على (٦) رسول الله (٧).

وفي حديث الحارث (٨): كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فكانَ المرادُ حديث عائشة. والثّاني كان أوقع، إلَّا أنّ وجه تقديم حديث الحارث يظهر من طريقين (٩):

أحدهما: أنّ كلَّ ظُهُورٍ ابْتِدَاءٌ، وليس كلّ ابتداء ظهور، فَبَدَأ بالمعنى العامّ. ولنا في هذا الحديث ممّا قيَّدْنَاهُ عن علمائنا فوائد كثيرة.

الفائدةُ الأولى:

فيه أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يسأله أصحابُه عن أَمْرِ الدِّينِ، والسُّؤالُ في أمر الدِّينِ على قسمين: سُؤالٌ عن فَنِّ العقائد، وسؤالٌ عن فنِّ العَمَلِ.

والسُّؤالُ عن فنِّ العمل عندهم مكروهٌ إلَّا عن ما يقع، وقد كانت المسألةُ تدورُ على الصَّدْرِ الأوّل، فيقال: دَعُوها حتّى تنزل.

وأمّا السُّؤالُ عن العقائد فَمَذْمُومٌ، وكذلك عن الغريب، حتّى أنّ عمرًا


(١) انظرها في القبس: ١/ ٤٠٣.
(٢) أخرجه عبد الرزّاق (٦٠٣٨)، وأحمد: ١/ ٣٤، وعبد بن حميد (١٥)، والترمذي (٣١٧٣)، والحاكم: ٢/ ٣٩٢
(٣) كما في حديث عائشة في الموطّأ (٥٤٢) رواية يحيى.
(٤) كما في المصدر السابق.
(٥) غ: "نزول".
(٦) في البخاريّ: "إلى".
(٧) انظر صحيح البخاريّ، كتاب بدء الوحي (١) باب كيف كان بدء ... (١).
(٨) الّذي رواه مالكٌ في الموطّأ (٥٤٢) رواية يحيى.
(٩) لم يذكر الطريق الثّاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>