للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتّحويل من عُلُّو إلى سفل، لاستحالة الانتقال على الكلام، وإنّما معناه: الإعلام والإسماع والإفهام إلى الموصل.

المعنى الثّامن: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية (١)، وهذا أيضًا يُبَيِّنُ لك أنّه (٢) ليس كلّ نزول وإنزال نقل وتحويلٌ، بل ذلك لفظٌ يشترك المعنى فيه، وقد يكون نقلًا وتحويلًا، وقد يكون على غير ذلك من المعاني المُتَأَوَّلَة (٣).

المعنى التّاسع: قوله جلّ جلالُه: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ} الآية (٤). قال بعض علمائنا (٥): المعنى فيه - أنّه خَلَقَ في الأرض الأنعام؛ لأنّه لَمْ يُرَ قطّ ولا سُمِعَ أنّه نزل من السّماء الحديد ولا الأنعام، ولو كان كذلك لكان أصل ذلك معلومًا مذكورًا.

وهذه الوجوه من القرآن واللُّغة على أنّ البارىء تعالى لا يجوز عليه النّقل ولا الحركة، وأنّ نزولَهُ بخلاف مخلوقاته، إنّما نزوله نزول رحمةٍ وإحسانٍ، أو يكون كما قال بعضى العلماء (٦) الصُّوفيّة: إنّ نزوله ثُلُث اللَّيل إنّما هو نزولٌ من حال الغَضَبِ إلى حالة الرَّحْمَة، وإلّا إذا أضفتَ النّزول إلى السّكينة لم يكن، وإذا أَضَفْتَهُ إلى الكلام لم يكن أيضًا تفريغ مكانٍ ولا شُغل مكانٍ، وإنّما أراد (٧) به: إقباله على أهل الأرض بالرَّحْمَة، والاستعطاف بالتَّوْبَة والإنَابَة. هذا تفسيرُه عند علمائنا من أهل الكلام (٨).

وأمّا من تَعَدَّى عليه بالتّفسير والقَوْلِ النَّكِيرِ، فإنّهم قالوا: في هذا الحديث دليلٌ على أنّ الله تعالى في السَّماء على العَرْشِ من فَوْق سبع سماوات.

قلنا (٩): هذا جَهْلٌ عظيمٌ، إنّما قال: "يَنْزِلُ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا". ولم يقل في


(١) الفتح:٤.
(٢) غ، جـ: "أن" والمثبت من مشكل الحديث.
(٣) هنا ينتهي النقل من مشكل الحديث.
(٤) الزّمر: ٦.
(٥) غ: "العلماء".
(٦) "العلماء" ساقطة من: جـ.
(٧) جـ: "أريد".
(٨) انظر مشكل الحديث لابن فُورَك: ٧٩.
(٩) انظر هذا الجواب في عارضة الأحوذي: ٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>