للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام: والغَرَضُ في هذا الحديث إبطال أنّ تكون للهِ جارحة لإحَالَةِ العَقلِ.

حديث ثانٍ:

قوله: "إنّ اللهَ يَطْوِي السَّماواتِ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُن بِيَدِهِ اليُمْنَى، ثمَّ يقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الجَبَّارُ، أَينَ المُتكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطوِي الأرضَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ المُتكَبِّرُونَ؟ " (١) قال الإمامُ: قد تقدَّمَ الكلام في اليَدَيْنِ واختلاف الأُصوليِّين في ذلك، وإنّهما بمعنى الصِّفَة لا بمَعْنَى الجارحة، وشرح قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (٢) ولكن تُذْكَرُ ههنا بمَعْنَى اليمين والشِّمال.

قلنا: قد استحالَ عليه إثبات يد (٣) الجارحة ووصفها باليمين والشِّمال، فلا بدّ من حَمْلِهِ على ما يجوز على اللهِ.

وأمّا ذِكْرُ الشِّمال في هذا الحديث، فإنّه قَيَّدَهُ كذلك (٤) مسلم في "صحيحه" (٥)؛ وإنّما ذلك خَلْقٌ من خَلْقِ اللهِ يُسَمَّى يَمِينًا والآخر شِمَالًا، وهذا أَبْيَن وأَقْرَب إلى الخَلْقِ من أنّ يكون للهِ يمين أو شمالٌ جارحتَانِ، تعالى اللهُ عن ذلك.

حديث ثالث:

قوله عليه السّلام: "إنّ اللهَ خَلَقَ الملائكة من شَعَرِ ذِرَاعَيْهِ" (٦).

شرحه وتبيينه:

قلنا: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ وليس بثابتٍ (٧)، ولكن له تأويلٌ عند علمائنا (٨)، وذلك


= من خَلْقِ الله يوافق اسمه اسم الإصبع، فقال: إنّه يحمل السموات على ذلك، ويكون ذلك تسمية للمحمول عليه بما ذكر فيه".
(١) أخرجه البخاريّ (٧٤١٢)، ومسلم (٢٧٨٨) من حديث عبد الله بن عمر.
(٢) سورة ص ٧٥.
(٣) كذا "ولعلّ الصواب: "اليد".
(٤) غ: "فإنه بيده كذلك قال".
(٥) الحديث (٢٧٨٨) عن ابن عمر.
(٦) أورده ابن فورك في مشكل الحديث: ٥٢ وذكر أنّ سفيان بن عُيَيْنَة رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، وانظر أقاويل الثقات لمرعي: ١٦٣
(٧) بقول ابن فورك: "اعلم أنّ أول ما فيه [أي في الحديث] أنّ عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النّبيّ س. وقد قيل: إنّ عبد الله بن عمرو أصاب وسقين من الكتب يوم اليرموك، فكانوا يقولون له إذا حدّثهم: حَدِّثنا ما سمعت من رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - ولا تحدِّثنا من وسقك يوم اليرموك".
(٨) انظر المصدر السابق: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>