للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نِعمَةٍ ولا في شيءٍ، فكلُّ ما يَهَبُ هو زيادة مُبْتَدَأَةٌ من عنده لم يقابلها عِوَضٌ منَّا فيما مَضَى، ولا يقابِلُها فيما يُسْتَقْبَل، فإن وفقّ للشُّكر والحَمْدِ فهو نِعْمَةٌ منه، وفَضْلٌ يفتقرُ أيضًا إلى حمدٍ وشُكْرٍ، هكذا إلى غير غايةٍ، خلاف ما تعتقده المبتدعة الّتي تقول: إنّه واجبٌ على الله أنّ يبتدى العبدَ بالنِّعمَةِ، وقد خَلَقَ الله له القُدْرَة وهي باقيةٌ، فيه دائمةٌ له أبدًا، تعالى الله عن ذلك.

وقوله: "فَإنَّكَ تَقدِرُ وَلاَ أَقدِرْ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمْ" هذا تصريحٌ بعقد (١) أهل السُّنَّةِ، فإنّه نَفَى العِلْمَ عن العَبْدِ والقُدْرَة وهما موجودان، وذلك تنَاقُضٌ في بادئ الرَّأْيِ، والحقُّ والحقيقةُ فيه الاعتراف بأنّ العلمَ للهِ، والقُدْرَةَ للهِ، ليس للعبد من ذلك كلِّه شيءٌ، إلَّا ما خَلَقَ اللهُ له يقول: "فَأَنْتَ يَارَبِّ تَقْدِرْ وَلاَ أَقْدِرْ" معناه: تَقْدِر قبلَ أنّ تخلقني، وتقدر مع خَلْقِ القُدْرَةِ وبعد ذلك، وأنا على الحقيقةِ في الأَحْوالِ كلِّها مصرّفٌ لك، ومحلٌ لمقدوراتك (٢)، وكذلك في العلم.

قوله: "وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ" المعنى: أنا أطلب أمرًا مستَأْنَفًا لا يعلمه إلَّا أنت، فَهَب لي منه ما ترى أنّه خيرٌ لي في دِينِي ومَعَاشِي وعاجل أَمْرِي وآجله.

والخيرُ (٣) أربعة أقسام:

الأوّل: يرى أنّه خيرٌ، يكون للعبد في دينه، ولا يكون له في دُنْيَاهُ، وهذا المقصودُ للأَبْدَالِ، ولكن ليس للخَلْقِ عليه صبرٌ في العُمُومِ.

الثّاني: أنّ يكون له خيرٌ في دنياه خاصَة، ولا يعترض عليه في دِيِنهِ، فذلك حَظٌّ حقير.

الثّالث: أنّ يكون خيرٌ في العاجل، وقد (٤) يحتمل في الدُّنيا، ويحتمل في الابتداء، أو يكون في الآخرة.

الرّابع: أنّ يكون له في الانتهاء خير، وذلك أَوْلاَهُ وأفضله، ويكون إذا جمعت كلها خير (٥)، وكل فعل للهِ خير.


(١) في العارضة: "يعتقده".
(٢) غ: "لقدرتك".
(٣) غ، جـ: "وهي" والمثبت من العارضة.
(٤) في العارضة:"وذلك".
(٥) في العارضة: "ولكن إذا جمع الأربعة الأوجه، فذلك الّذي ينبغي للعبد أنّ يسأل ربّه فيه"

<<  <  ج: ص:  >  >>