للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّانية (١):

إذا ثبت هذا فإنّه تستر عورته.

ووجه ذلك: أنّ هذه حالة لا يجب للحيِّ أنّ يطلع عليها غالبًا إلَّا لضرورةٍ، لبعدها عن التَّجَمُّلِ وحسن الزي، فلا يطّلع على الميِّتِ ما دام عليها إلّا لضرورة. وإذا (٢) جرِّدَ، فلا يطّلع عليه إلَّا الغاسل ومن يَلِيهِ.

وقال ابنُ حبيب: العورةُ في الميِّتِ من سُرَّتِهِ إلى رُكبته.

وقد تعلّق الفقهاء في ذلك بما روي عن عليّ؛ أنّه قال: قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لَا تُبرِزْ (٣) فَخِذَكَ، وَلاَ تَنْظُر إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ" (٤).

ومن جهة المعنى: أنّ حُرْمَةَ المسلم باقيةٌ بعد مَوْتِهِ، ولذلك يستر بالكَفَنِ.

المسألة الثّالثة (٥):

إذا ثبت هذا، فإنّه تُسْتَر عورتُه بمِئْزَرٍ، ويجعل على صدره ووجهه خرقة أخرى، ذكر هذا أشهب في "كتاب ابن سحنون". والّذي عليه الجمهور من أصحاب مالكٌ (٦)، أنّه لا تستر منه غير عورته على ما تقدّم.

وقال بعضهم: إنّما أمر بتغطية الوجه للميِّت؛ لأنّ الميِّتَ ربما تَغَيَّرَ وجهُه تَغَيُّرًا وحشًا (٧) من عِلَّةٍ كانت به، فاسْوَدَّ لذلك، فربّما نظر إليه الجُهَّال ومن لا معرفة له فيتأولون (٨) فيه ما لا يجوز، وفي الحديث: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَلَمْ يَكشِفْ عَلَيْهِ (٩)، خَرَجَ مِن ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتهُ أَمُّهُ" (١٠).


(١) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢ بتصرّف.
(٢) هذه العبارة هي قول أشهب في كتاب ابن سحنون، كما نصّ الباجي على ذلك.
(٣) غ: "تبد"، جـ: "تنظر" واستدرك الصواب في الهامش.
(٤) أخرجه أحمد: ١/ ١٤٦، وأبو داود (٣١٤٠)، وابن ماجه (١٤٦٠)، والبزّار (٢٩٢)، وأبو يعلى (٣٣١)، والحاكم: ٤/ ١٨٠.
(٥) الفقرة الأولى من هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢ - ٣ بتصرُّف.
(٦) انظر التفريع لابن الجلّاب: ١/ ٣٧١، والتنبيهات للقاضي عياض: ٣٤/ ب [نسخة الخزانة العامة بالرباط: ٣٨٤ ق].
(٧) غ: "وحيشا".
(٨) غ: "فيتأوّل".
(٩) في المصادر: "ولم يُغْش عليه".
(١٠) أخرجه أحمد ٤١/ ٣٧٤ (ط. الرسالة) عن عائشة، والطبراني في الأوسط (٣٥٩٩) والبيهقي: ٣/ ٣٩٦ وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>