للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا البخاريّ (١) فقد بَوَّبَ وأدخل الحديث الصّحيح فقال: "أَطْعِمُوا الْجَائع، وَفكُّوا الْعَانِي، وَعُودُوا الْمَرْضَى" وفيه حديث صحّحه أبو عيسى فقال في ثواب المريض فقال: "مَا مِن امرِءٍ يَمرَضُ إلَّا حُطَّتْ عَنْهُ سَيِّئَاتُهُ وَرُفِعَت لَهُ دَرَجَاتُه" (٢) وفيه حديث آخر حسن خرّجه الترمذيُّ "إنّ المريض تَتَحَاتُّ خَطَايَاهُ كَمَا تَتَحَاتُ وَرق الشَّجَرِ" (٣)، وهذه موعظةٌ للمريض.

الأصول (٤):

قال الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية (٥)، كلّ ذلك من فَضلِ اللهِ على عباده أنّ خلقَ المعصيةَ وكَفَّرَهَا (٦) بحِكمَتِهِ وبرَأفَتِهِ، وكفَّارة الأَوْصَاب والأمراض للسَّيِّئاتِ -كما قدّمنا- إذا كانت صغائر مسحًا مسخًا، وإن كانت كبائر فكبائر (٧).

وقوله (٨): "إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسلِم لَمْ يَزَلْ في خُرفَةِ الجَنَّةِ" فإنّ ممشاهُ إلى المريضِ لما كان له من الثّواب على كلّ خُطوَةٍ درجة، وكانت الخُطَى سببًا إلى نيلِ الدَّرجاتِ في النَّعيمِ المُقِيمِ، عَبَّرَ عنها (٩) لأنّه سببها، فجاز كما بيَّنَّاهُ، وله إذا مشى في "الخُرفَةِ" وهي بساتين الجَنَّةِ أنّ يخرفَ منها ويتنعَّمَ بالأكل.

وقوله (١٠):"إِن الْمَرِيضَ تَتَحَاتّ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَتَحَاتُّ وَرق الشَّجَرِ" وهذه إشارة إلى أنّ المريض إنّما تنحطّ عنه أوّلا الصّغائر من الذُّنوب الّتي هي من شجر


(١) في صحيحه (٥٣٧٣) من حديث أبي موسى الأشعري، وأخرجه أيضًا مسلم (٢٩٧٦).
(٢) لم نجده في الجامع الكبير، والذي وجدناه هو ما روته عائشة قالت: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "لا يُصيبُ الْمُؤمِنَ شوكةٌ فما فوقها، إلَّا رَفَعَهُ اللهُ بها درجةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً" قال التّرمذيّ: "حديث عائشة حديث حسنٌ صحيحٌ".
(٣) لم نجده في جامع التّرمذيّ، وذكر المؤلِّف في العارضة أنّه صحيح من حديث أسدّ بن كرز.
(٤) انظر كلامه في الأصول في العارضة: ٤/ ١٨٨ - ١٩٠.
(٥) هود: ١١٤.
(٦) في العارضة: "خلق المعصية وَقدَّرها، ثم مَحَّصَهَا وكفّرها".
(٧) كذا، والعبارة مضطربة، ولا تخلو عبارة العارضة أيضًا من الاضطراب، وهي: "إذا كانت صغائرًا وضَحًا وضحو، وإن كانت كبائر وزن وزنًا وإن كان الكلّ بالميزان".
(٨) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث التّرمذيّ (٩٦٧).
(٩) في العارضة: "بها".
(١٠) لم يرد القسم الأوّل من هذه الفقرة في العارضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>