للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال أبو حنيفة: لا قطع عليه (١)؛ لأنّه سرق من غير حِززٍ مَالًا مُعَرَّضًا للتَّلفِ لا مالِكَ له؛ لأنّ الميِّتَ لا يملك، ومنهم من ينكر السّرقة؛ لأنّه في موضع ليس فيه ساكن، وإنّما تكون السّرقةُ بحيث تُتَّقَى الأعين وَيُتَحَفَّظُ من النّاس.

وقال (٢) مالك وأصحابه وابن القاسم: عليه القطع.

واحتجّ مالك بقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (٣)، وقال مالك: القبر ستر وحرز للكفن؛ لأنّه كالبيت للحَيِّ، والحديث يعضده: "إِنَّ الْقَبْرَ بَيتٌ" (*).

اصطِلاَمٌ:

قلنا: الصّحيح أنّه سارقٌ؛ لأنّه قد تدرّع اللّيل لباسًا، واتَّقَى الأعين.

وقصدَ وَقْتًا لا نَظَرَ فيه ولا مارّ عليه.

وقوله (٤): إنَّ القبرَ غيرُ حِرْزٍ، هو قول باطل؛ لأنّ حرز كلّ شيء بحسب حاله الممكنة فيه، ولا يمكن تركُ الميِّت عاريًا، ولا يتَّفق فيه أكثر من دفنه، ولا يمكن أنّ يُدْفَنَ إلّا مع أصحابه، فصارت هذه الحاجات قاضية أنّ ذلك حرزٌ، لقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} (٥) أي: ليسكن فيها حيًّا ويُدْفَن فيها ميِّتًا.

وقوله (٦): معرَّضًا للتَّلَفِ، فكلُّ ما يلبسه الحيُّ أيضًا مُعَرَّضٌ للتَّلَفِ والإخلاق (٧) في لباسه، إلَّا أنّ أحدَ الأمرين أعْجَلُ.

حديث مَالِك (٨)؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْج النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - كَانَتْ تَقُولُ: كَسْرُ عَظْمِ المُسْلِمِ مَيتًا كَكَسرِهِ وَهُوَ حَيٌّ، تَعْنِي في الأِثْمِ.


(١) انظر شرح فتح القدير: ٥/ ٣٦٠.
(٢) هذا السطر والفقرة الّتي بعده اقتبسهما المؤلِّف من الاستذكار: ٨/ ٣٤٤.
(٣) المرسلات: ٢٥. (*) أخرجه أحمد: ٣٥/ ٢٥٢ (ط. الرسالة) عن أبي ذرّ.
(٤) أي قول الحنفيّ. وانظر الكلام التالي في أحكام القرآن: ٢/ ٦١٢.
(٥) المرسلات: ٢٥.
(٦) أي الحنفيّ.
(٧) غ، جـ: "والخلاص" والمثبت من أحكام القرآن.
(٨) في الموطّأ (٦٣٨) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>