أجرأهم على هذا من المتأخِّرين القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الوَقشِيّ؛ فإنّه لكثرة مطالعته وتَفنُّنِهِ ... جَسَرَ على الإصلاح كثيرا، وتَحَكَّمَ فيها بما ظهر له، وبما رآه في حديث آخر، وربّما كان الَّذي أصلحه صوابًا، وربّما غلط فيه وأصلح الصّواب بالخطأ ... وحماية باب الإصلاح والتغيير أولى؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، ويتسلط عليه من لا يعلم، وطريق الأشياخ أسلم مع التبيين، فيذكر اللفظ عند السماع كما وقع، وُينَبَّه عليه، ويذكر وجه الصواب، إما من جهة العربية أو النقل، أو وروده كذلك في آخر، أو يقرؤه على الصواب، ثم يقول: وقع عند شيخنا أو في روايتنا كذا، أو من طريق فلان كذا، وهو أولى؛ لئلا يقول على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله".
ويقول القاضي عياض أيضًا في "مشارق الأنوار" (١): "والصّوابُ من هذا كلَّه لمن رزقا فهمًا وأُوتي عِلْمًا، إقرار ما سَمِعَه ورواهُ كما سمعه ورواه، والتَّنبيه على ما انتقَدَهُ في ذلك ورآه، حتّى يجمع الأمرين، ويترك لمن جاء بَعْدُ النَّظَر في الحرفين، وهذه كانت طريق السَّلَف فيما ظهر لهم من الخلَلِ فيما رَوَوْهُ من إيراده على وجهه وتبين الصَّواب فيه، أو طرح الخطأ البَيِّنِ والإضراب عن ذِكْرِه في الحديث جملةً، أو تبييض مكانه والاقتصار على رواية الصّواب، أو الكناية عنه كما يظهر ويُفْهَم لا على طريق القطع، وقد وقَعَ من ذلك في هذه الأمّهات ما سنوقف عليه ونشير في مَظانِّه إليه، وهي الطّريقة السّليمة، ومذاهب الأيمة القويمة، فأمّا الجسارة فجسارةٌ، فكثيرا ما رأينا من نَبَّهَ بالخطأ على الصّواب، فعكسَ الباب، ومن ذهب مذهب الإصلاح والتّغيير،