للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والّذي نُحَقِّقُه؛ أنّ الزَّكاةَ قد تَقَرَّرَ وجوبها في العَيْنِ، ونجدُ من النّاس خَلْقًا كثيرَا يكتسبون الأموالَ ويصرفونَها في أنواع المعاملات وتنمى لهم بأنواع التِّجارات، فلو سقطت الزَّكاةُ عنهم لكانَ خَلْقٌ كثيرٌ من الأغنياء يخرجون عن هذه العبادة، وتذهبُ حقوق الفقراء في تلك الجملة، وربَّما اتُخِذَ ذلك ذريعة إلى إسقاط الزَّكاةِ والاستبداد بالأموال دون الفقراء، فاقْتَضَتِ المصلحةُ العامَّةُ والإبالةُ (١) الكُلِّيَّة وحفظُ الشّريعة ومراعاةُ الحقوق أنّ تُؤْخَذَ الزَّكاةُ من هذه الأموال إذا قصد بها التجارة (٢).

المسألة الثّانية (٣):

قال علماؤنا (٤) الأموال على ضربين:

مالٌ أصلُه التِّجارة، كالذَّهب والدَّراهم (٥).

ومالٌ أصله القُنْيَة، كالعُرُوضِ (٦).

فما كان أصلُه التِّجارة فلم ينتقل إلى القُنْيَة إلَّا بالنِّية والعمل المؤثّر في ذلك وهو الصِّناعة (٧). وما كان أصله القُنْيَة لم ينتقل إلى التجارة إلَّا بالنية (٨) والعمل المؤثِّر في ذلك، وهو الابتياع، فمن اشترى عرضًا لم يَنْوِ بِهِ التِّجارة فهو من القُنْيَةِ، وكذلك من ورثه.


(١) أي السياسة.
(٢) في القبس: "النّماء" وهي سديدة.
(٣) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ١٢٠ - ١٢١.
(٤) المقصود هو الإمام الباجي.
(٥) "والدراهم" ساقطة من: غ، وهي في المنتقى: "والفضة".
(٦) يقول أبو بكر بن الجد في أحكام الزَّكاة: لوحة ٩ /أ "والعروضُ تنقسم على أربعة أقسام: للقُنْيَة خالصًا. وللتجارة خالصًا. وللقنية والتّجارة. وللغلّة. فأمّا عرض القُنْيَة فلا زكاة فيه ... وأمّا عرض التجارة ففيه الزَّكاة ... وأمّا الّذي تجتمع فيه نية القُنْيَة والتجارة، فروى ابن القاسم عن مالكٌ تغليب القُنْيَة فلا زكاة فيه، وروى أشهب عن مالكٌ أنّ فيه الزّكاة. وأمَا ما هو للغلّة، فعن مالك في كتاب محمّد فيه روايتان: روى ابن القاسم لا زكاة فيه، وروى ابن نافع عن مالكٌ يزكِّي ثمنه إذا باعه".
(٧) غ: "الصباغة" وفي المنتقى: "الصياغة".
(٨) يقول أبو بكر بن الجدّ في أحكام الزّكاة: لوحة ٩/ أ - ب "ولا خلاف أنّه لا تخرج العروض من القُنْيَة إلى التجارة بمجرد النّية، واختلف هل ترجعُ من التِّجارة إلى القُنْيَة بالنِّيَّةَ خاصة؟ فروى ابن القاسم: ترجع إليها بالنِّيَّة فلا زكاة، وقال أشهب ومثله عن مالكٌ في "مختصر ابن شعبان" أنَّه يرجع بمجرَّد النِّيَّة وتلزمه الزَّكاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>