للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: لا شكّ أنّ هذا النَّصَّ يُوضِّح بجلاءٍ لا يَعْتَريه لُبْسٌ قيام أبي بكرٍ بتدريس "الموَطَّأ" في مجالس العلم والتحصيل، بدليل أن الواعظ الضرير استظهره عليه، أي أنه قرأ "الموَطَّأ" عليه، وهو ما يُعْرَف عند المحدِّثين بالقراءة على الشّيخ، وقد اتفق علماء الحديث على أنها رواية صحيحة (١). ولم يكتف الواعظ الضّرير بالقراءة، بل طَلَبَ من شيخِه ابن العربيّ الإجازة، وقد أجازه، والإجازةُ هي إذنُ المحدَّثِ للطّالب أن يروي عنه حديثا أو كتابا، ولا يعطي الإجازة إلَّا من له حقّ تحمُّل الأداء، فنحن هنا أمام صورة تمثل المناولة المقرونة بالإجازة، وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق.

كما ينبغي الإشارة في هذا المقام إلى وجود نسخة عتيقة من "المُوَطَّأ" في عصر السَّعْدِيِّين، هي أصل نسخة ابن العربيّ الَّذي عليها خطّه، ذَكَرَها محمد ابن العربيّ الفاسي (ت. ١٠٥٢) في كتابه "مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن" (٢) في أثناء حديثه عن شيوخ محمد بن عبد الرحمن الفاسي، كما أشار إليها شيخنا محمد المنوني في كتابه "دور الكتب في ماضي المغرب" (٣)

وبالرغم من كلّ هذا، فقد رأينا من المُفيد أن نعوَّضَ عن هذا

-الَّذي ربما اعتبره بعضهم خلَلًا- بما يسدُّه ويجبُرُه، وهو أن نعتمد على رواية نَبيهِ من أنباه تلامذته، وحافظٍ من حُفَّاظ مدينته (٤)، لينوبَ عن شيخه أبي بكر


(١) وهو الَّذي نص عليه القاضي عياض في الألماع: ٦٩.
(٢) صفحة: ١٤٨ [ط. بعناية محمد حمزة الكتاني، الغرب، سنة: ١٤٢٤ هـ].
(٣) صفحة: ٢٣.
(٤) وهي مدينة إشبيلية

<<  <  ج: ص:  >  >>