للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: كيف وجب رجوعه عن ذلك؟ ولِمَ قال بخِلَافِهِ؟ ولِمَ أخذ جماعة بخلاف هذا الحديث إِلَّا رَجُلًا أو رَجُلَيْن فإنّهما شَذَّا مع أنّ أبا هريرة رواه عن الفَضْل؟

قلنا: قد عارَضَهُ ما رُوِيَ (١) عن عائشة وأمّ سَلَمَة ولم يعلم أبو هريرة بالنَّسْخِ، وذلك قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} الآية (٢)، و {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية (٢)، فإذا أحلّ أنّ يطأَ حتّى الفَجْرِ، فهل يكون الغسل إلّا نهارًا! وقد ذكر نحو هذا الاحتجاج رَبِيعَة بن أبي عبد الرّحمن.

قيل: ولما سمع أبو هريرة هذا عنها اعْتَذَرَ.

وهذا فعل منهُ - صلّى الله عليه وسلم - والأفعالُ تُقَدَّمُ على الأقوالِ عند بعض الأصوليِّين، ومن قدَّم منهم الأقوال فإنذه يرجِّح الفعل هاهنا لموافقة ظاهر القرآن؛ لأنّ الله تعالى أباح المباشرة إلى الفجر، وإذا كانت النّهاية إلى الفجر كما تقدّم، فمعلومٌ أنّ الغُسْلَ إنّما يكون بعد الفَجْرِ إذا كان الجماع مباحًا له، فاقتضى هذا صحَّة صوم من طلع الفجر عليه وهو جُنُبٌ، فلمّا طابقَ ظاهر القرآن فعله - صلّى الله عليه وسلم - قُدِّمَ على ما سِوَاهُ.

وقد قيل: إنّ ما رواه أبو هريرة محمولٌ على أنّ ذلك كان في أوّل الإسلام، لمّا كانوا إذا ناموا حرم عليهم الجماع، فلما نسخ ذلك نسخ ما يتعلّق به.

الخامسة (٣):

فيه أنّ الرجال كانوا يدخلون على أزواج النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، ويسمعون منهنّ للضرورة إلى نقل العلّم عنهنّ بعد الاستئذان (٤) لعلّم السّامع، وإنّما قصدَ مروان بالسُّؤال عائشة وأمّ سَلَمَة لأنّهما أعلم النّاس بذلك.

السّادسة (٥):

فيه قَبُول خبر المرأة، وكذلك قبول خبر الواحد.


(١) غ: "ذكر".
(٢) البقرة: ١٨٧.
(٣) هذه الفائدةُ مقتبسة من تفسير الموطَّأ للبوني: ٤٨/ أ.
(٤) زيادة في نسخة جـ: "وسكت في الحديث عن الاستدلال".
(٥) العبارة الثّانية من هذه الفاندة مقتبسة من تفسير الموطَّأ للبوني: ٤٨/ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>