للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم عما كان أنفع منه من الجهاد والقُوَّة على الغزو (١)، مع حاجتهم في ذلك الوقت إليه، فلمّا سألوهُ عن وِصَالِهِ، أعلمهم أنّ حالته في ذلك غير حالتهم.

المساْلة الرّابعة (٢):

إذا ثبت هذا أنّه يجوزُ الوِصَالُ، فإنّما يصحّ أنّ يُصَامَ من اللَّيْلِ على التَّبَعِ للنَّهَارِ، وأمّا أنّ يُفْرَدَ بالصّوم فلا يجوز ذلك.

المسألة الخامسة:

فإن قال قائل: صيامُ النَّهارِ دائمًا، أو قيام اللَّيل دائمًا، أيّهما أفضل الصّيام أم القِيَام؟ الجواب - قلنا: إنّ صيام النّهار للشُّبَّانِ أَنْفَع؛ لأنَّ الشَّابّ (٣) شهواني، والشّهوة لا تموت إِلَّا بالصّوم والصّوْم جُنَّة؛ لأنّ الشّاب إذا دام على الصّوم، فإنّه يطرد عنه باللّيل النوم، إذا كان إفطاره على السُّنَّةِ، كما جاء عن نبيِّ الرحمة صاحب الشّريعة - صلّى الله عليه وسلم -: "ثلث للطَّعَامِ، وثُلث للشَّراب، وثلث للنَّفس" يعني البَطْنِ.

وقيامُ اللّيل للشُّيوخِ أفضل من صوم النَّهار؛ لأنّه قد فنيت شهوته، وبقيت في قلبه قوّته، وهو ضعيف النّفس من جهة فَنَاءِ الشَّهْوَةِ، قويّ القلب من جهة الإيمانِ والمعرفة، فإذا صام ذهبت عنه القُوَّة ويزيد في ضَعْفِهِ ضعفًا، حتّى ربّما يقع له في فرائضه الخَلَل، فالفِطْر له أنفع، وقيام اللّيل له أنجح.

وأمّا الكُهولُ، فعليهم بصيام النّهار وقيام اللّيل، فإنّهم خرجوا من حدِّ الصِّبَا (٤) ولم يدخلوا باب الشّيخوخة، وله في حال الكُهُولَةِ بقيّة من القوّة، فلا يدعه أنّ يصير هباءًا منثورًا، فليأخذ حَظّه من اللَّيل بقيامه، وحظّه من النّهار بصيامه، فلعلّه لا يبلغ ما بلغ الشّيوخ، وذلك (٥) كله إذا كان الشّاب تائبًا والكهل مُرْبِذًا (٦) والشيخ مُنِيبًا، وأمّا سائر النّاس فَهَمَجٌ لا خير فيهم.


(١) في المنتقى: "العدوّ".
(٢) هذا المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٦١.
(٣) غ: "الشباب".
(٤) غ: "الصائم" جـ: "الصِّيام" ولعلّ الصَّواب ما أثبتناهُ.
(٥) جـ: "وهذا".
(٦) رَبِذَ رَبَذًا: إذا خفّت رِجْلُه في المشي، ويده في العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>