للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا:* وكذلك المريض أرخص له الفِطْر بنَفْسِ المَرَضِ* (١)، وإلى هذا وَقَعَتِ الإشارةُ بقَوْلهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الآية (٢) لكن المشقّة لما كانت تختلف في السَّفَر باختلاف أحوال النَّاس في الحَضَرِ، وتعذّر حصر ذلك، علّق الحُكْم على ضابطٍ ظاهرٍ مُنْحَصِرٍ، وهو السَّفَر، كالعدّة وضعت لبراءة الرَّحِمِ ولا شغل في اليائسة والصغيرة حتّى تستبرىء الرَّحم منها، ولكن لمّا تَعَذَّر ضبط سنّ الصغيرة من الكبيرة، وضبط حال اليائس من الحائض، أَوْجَبَ اللَّهُ تعالى العدَّة على الكُلِّ صيانةً للفِرَاشِ وصيانةً للأنْسَابِ.

المسألة الثّانية (٣):

أمّا المرض، فهو أمرٌ منضبط، كلُّ أحدٍ أعلم بنفسه. فإن قيل: فإن أَمِنَ زيادة، وهي العِلَّة الّتي لأجلها أُبيحَ له الفِطْر صامَ، وإنْ خافَ الزيادة أَفْطَرَ.

قلنا: هذا الّذي ذَكَرْتُمُوهُ صحيحٌ، وليس بمُعْتَرِضٍ على كلامنا ولا على نكتةٌ مالكٌ، فإنّ الله تعالى علَّقَ الفِطْرَ بنفس المَرَضِ، وصومُ المريضِ مَشَقَّةٌ وإن لم يخف الزِّيادة، واللَّهُ قد رَفَعَ المَشَقَّة بقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} الآية (٤).

ومن أصول القواعد (٥) عندنا باتِّفاقٍ من أهل السُّنَّة؛ أنّه لا يكون ما لا يريد تعالى، ونحن نَرَى مريضًا يصومُ ومسافرًا يصومُ، فكيف وقع هذا وهو مَنْ أخبرَ أنَّه لا يريده؟

قال الإمام (٦): قولُ الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (٧) أي يأمركم، وعبر بالإرادة عن الأمر (٨) مجازًا، وهذا طريق في الاستعارة وإن كان مُتَّبعًا ولكن مرتبته أجلّ من هذا الجواب؛ لأنّ التّأويل إنّما يُصَارُ إليه عند الضَّرورة، ولا ضرورةَ هاهنا؛ لأنّ معنى قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (٩) أي يريد أنّ يُكَلِّفَكُم اليُسْر ولا يريد أنّ


(١) ما بين النجمتين ساقط من غ والقبس.
(٢) البقرة: ١٨٥.
(٣) انظرها في القبس: ٢/ ٥١٦.
(٤) البقرة: ١٨٥.
(٥) غ: "الفقه"، جـ: "القول" والمثبت من القبس.
(٦) في القبس [١/ ١٥٩ ط. الأزهري]: "قال القاضي أبو بكر -يعني ابن الطيب" وهو الصّواب.
(٧) البقرة: ١٨٥.
(٨) غ، جـ: "بالأمر عن الإرادة" والمثبت من القبس.
(٩) البقرة: ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>