للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس: "الصَّومُ لِي" المعنى فيه: أنّ كلِّ عمل أعْلَمْتُكُم مقداره إِلَّا الصّوم فإِنِّي انفردتُ بعلمه (١) لا أُطْلِعُ عليه أَحدًا.

الوجه السّادس: أنّ معنى "الصّومُ لِي" أنّ يقمع عَدُوِّي وهو الشّيطان؛ لأنّ سبيل الشّيطان إلى العَبْدِ اقتضاء الشّهوات، فإذا تركها العبد بَقِيَ الشيطان لا حراك به ولا حِيلَةَ له.

الوجه السّابعِ: رُوِيَ في بعض الآثار؛ أنّ العبدَ يأتي يوم القيامة بحسناته، ويأتي قد ضَرَبَ هذا، وشتَمَ هذا، وأخذَ مال هذا، فتدفع حسناته لغُرَمَائه إِلَّا الصِّيام، يقول الله تعالى: "هُو لِي ليس إِلَيْكُمْ إِلَيْهِ سبيلٌ" قال الإمام: وهذا إنّ صَحَّ بَدِيعٌ.

تكملةٌ للحدبث:

قال: ثمَّ أردفَ الحديث بقوله: "لَخَلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عندَ اللهِ من رِيحِ المِسْكِ". ووجه التّمثِيلِ فيه: أنّ المِسْكَ مَحْبُوبٌ للنَّفْسِ، والصومُ أحبّ إلى الله وأَقْرَب إليه من حُبِّ المِسْكِ إليكم وقربه من أَنْفُسِكُم، إشارة إلى أنَّ المِسْكَ أطيب الطِّيبِ، كذلك الصوم أفضل العبادات (٢).

اعتراض (٣):

فإن قيل: فهل يكون أفضل من الصّلاة بهذا المعنى؟

قلنا: إنَّ العبادةَ على ضربين: متعدِّية، ولَازِمَةٌ، فالأفضل منها اللازمة (٤)؛ لأنّه منها.

فإن قيل: والصّلاة لازمةٌ، فهل هي أفضل منها؟

قلنا: لا أفضل من الصَّلاةِ، وإنّما يكون فضل الصَّوم بَعْدَها. وقوله: "وللصّائِمِ فَرْحَتَانِ: فرحَةٌ عند إفطاره وفرحةٌ عند لِقَاءِ ربهِ" (٥).


(١) جـ: "بعلم مقداره".
(٢) غ: "العبادة".
(٣) انظره في القبس: ٢/ ٤٨٢.
(٤) غ: "فأفضل اللازمة".
(٥) أخرجه البخاريّ (٤٧٩٢)، ومسلم (١١٥١) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>