للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ألف شهر، فتَمَنَّى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّ يكون ذلك في أُمَّتِهِ. فقال: "يا رب جعلت أعمار أمتي أقصرع الأعمار، وأقلّ الأعمال"، فأَعطاهُ اللهُ ليلة القَدْرِ الّتي هي خير من ألف شهر، يريد خير من تلك الألف شهر الّتي قامها الإسرائيلى، وهذا معنى حديث مالك (١)؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أُرِيَ أعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، فكأَنَّهُ تقاصرَ أعمارَ أُمَّتِهِ ألَّا يَبْلُغُوا من العَمَلِ ما بَلَغَهُ غيرهم في طُولِ العَمَلِ، فاعطاهُ اللهُ ليلةَ القَدْر الّتي هي خيرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ.

القول الرّابع - قيل: إنّ المعنى في ذلك مَا رُوِيَ أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - رأى في منامه بني أُمَيَّة يعلون منبره فشقَّ ذلك عليه، فأنزلَ اللهُ تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (٢) و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} إلى قوله {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} الآية (٣)، يعني مُلْك بني أُمَيَّة، قال: فحسبنا ملك بني أُمَيَّة، فإذا هو ألف شهر.

قال الإمام (٤): وهذا ضعيفٌ جِدًّا لا يصحُّ سَنَدًا ولا نَقلًا.

المسألة الثّانية (٥):

اختلف العلّماء في ليلة القدر وفي تعينها وفي ميقات رجائها على ثلاثة عشر قولًا: القولُ الأوّل - قيل: هي في العام كلِّه، قال ابن مسعود: من يَقم الحَوْلَ يُصب ليلة القَدْر (٦).

القولُ الثّاني - قيل: إنها في شهر رمضان، لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} الآية (٧)، فجعله مَحَلَّا عامًّا في لياليه وأيّامه لنزول القرآن، ثم قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} الآية (٨)، فجعله خاصًّا في ليْلَةِ القَدْرِ منه.

القول الثّالث - قيل: إنّها ليلة سبع عشرة ليلة من رمضان، قالَهُ ابن الزُّبَيْر (٩)، ورواه ابن مسعود عن النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - (١٠)، وفي ذلك إشارةٌ من كتاب الله تعالى، وهي


(١) في الموطَّأ (٨٩٦) رواية يحيي.
(٢) الكوثر: ١.
(٣) القدر: ١ - ٣
(٤) هذا القول من إضافات المؤلِّف على نصِّ ابن رشد.
(٥) انظرها في القبس: ٢/ ٥٣٤ - ٥٣٨.
(٦) أخرجه مسلم (٧٦٢).
(٧) البقرة: ١٨٥.
(٨) القدر: ١.
(٩) أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثميّ ١/ ٤١٩ (٣٣٢).
(١٠) أخرجه أبو داود (١٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>