أن يجعل منه قانونا عاما للمسلمين في عهده، يحملهم عليه حملا، فأبى عليه ذلك مالك رضي الله عنه. وهذا من إنصافه واخلاصه وتواضعه وحسن فقهه.
والموطأ كتاب جامع، ففيه الحديث، وفيه الفقه، وفيه أصول الفقه، وفيه أصول الدين، وفيه الدعوة، وفيه التربية، وكلُّ هذه الجوانب يبدع فيها قلم ابن العربي ويحسن الشرح والتوجيه.
فلا عجيب أن تراه -بوصفه محدِّثا- يرجح حديثا على حديث، أو رواية على رواية، ويصحِّح ويضعِّف بثقة واطمئنان.
كما تراه -بوصفه فقيها- يناقش الآراء، ويوازن بين الأدلة، ويضعِّف ويقوِّي، ويرجِّح استنباطا على استنباط، ويختار ما يراه الأصوب والأرجح، فهو يقوم بعمل أساسي في صميم "الفقه المقارن".
وقد حاول الكثيرون أن يكون لهم نصيب من خدمة الموطأ، في كلِّ الأعصار، وفي كلِّ الأقطار، ولكن شارحي الموطأ ليسوا سواء. وقد كان ابن العربي من أبرزهم وأميزهم، ولا ريب أنه استفاد من الأئمة الكبار الذين خدموا الموطأ من قبله، كما أقرَّ هو بذلك، من أمثال الإمام الحافظ ابن عبد البر في كتابيه "التمهيد" و"الاستذكار"، ومثل أبي الوليد الباجي صاحب "المنتقى في شرح الموطأ".