أمَّها المستنبطون ولا نبَّه عليها المؤلفون، ولا أشار إليها المتكلّمون، وربما تشبث بها ما يُشاكلها من غيره فأبرزتُها لذوي الألباب، وجعلتها نخبة هذا الكتاب الَّذي سمّيتهُ "الدُّرَّة الوسطى في مشكل الموطَّأ" وأضفتُ إليها ما يُشاكلها من المقدِّمات، ويليق بها من التشبيهات، وُيفصل من الاعتراضات، وجعلتُ النكت على التوالي، حتّى إذا انقضت عدَّتها، ونفذت جملتها، رجعتُ إلى بيان الأوَّل فالأوَّل منها، بالعبارة والمعاني الواضحة الجليَّة، اقتداءً بمفسِّري الغرائب (١) من أئمة اللّسان وحفَّاظه، لأكون فائزًا بحظٍ لم أسبق إليه ولا وجَّه من ذكرتُ من الأيَّمة نظرهُ إليه فأُقرب بعيده ... شريده، حتّى يدنو من النفوس ... ويألفُه أهل الفهم والنُهى، ويرفُلُ في ثوب البيان فيُكتب، وتألفهُ الأسماعُ فيُطلب، وكذا ... غناؤهُ فيُكتسب، ويُقرَب فلا يُستسهب، رجوتُ بذلك الذخر عند الله تعالى، والملك الأجلّ المولى".
قلنا: وليس بعد هذه المقدِّمة المبينَّة الفصيحة، الواضحة الموضحة مزيدٌ من البيان، فالمؤلف يستشعر حاجة الناس إلى شرح يعني بالمشكلّ العقدي الوارد في الحديث الشريف، ويرى في الجهد الَّذي بذله ابن فُورَك -رغم أهمّيته- عوزًا يحتاج إلى مزيد تعميق وتحرير، وهذا ما حاول أن يستدركه في كتابه، وهو شديد الاعتزاز بعمله، لا يخفي اهتباله به، ولا يتحرَّجُ من سوق الثناء عليه، ونرى أنَّه لم يعد الحقيقة ولم يجانب الصواب فيما ذهب إليه.