للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّالثة (١):

قولُه في هذا الحديث (٢): "أَفَأَحُجُّ عَنْهُ" سؤال عن صحَّة النِّيابة فيه، فقال - صلّى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ" وذلك يقتضي صحَّة النِّيابة في الحجِّ.

والعبادات على ثلاثة أَضْرُب:

١ - أحدها: عبادةٌ مختصَّةٌ بالمال، كالزّكاة، فلا خلافَ أنّه تصحّ النِّيابة فيها.

٢ - وعبادةٌ مختصّة بالجَسَد، كالصّلاة والصّوم، لا خلاف أنّه لا تصحّ النِّيابة فيها، ولا خلافَ نعلَمُهُ فيها، إلّا ما رُوِيَ عن داود أنَّه قال: من مات وعليه صومٌ يصومُهُ عنه وَلِيُّهُ (٣).

٣ - وعبادةٌ لها تعلُّق بالمال والبَدَنِ كالجهاد والحجّ، فقد أطلق القاضي أبو محمّد (٤) أنّه تصحّ النِّيابة فيهما، وقد كره (٥) ذلك مالك وقال: لا يحجّ أَحَدٌ عن أحَدٍ، ولا يصلّي أَحَدٌ عن أحَدٍ، ورأى أنّ الصَّدقة عن (٦) الميِّت أفضل من استئجار (٧) من يحجّ عنه، إِلَّا أنّه إنْ أَوْصَى بذلك نُفِّذَتْ وصيَّتُهُ.

وقال ابنُ القصّار: لا تصحّ النِّيابةُ، وإنّما للميِّت المحجوج عنه أجرُ نَفَقَتِه إنَّ أوْصَى أنّ يستأجر من ماله على ذلك، وإن تطوّع أحد عنه بذلك فله أجرُ الدّعاء وفضلُه، وهذا وجه انتفاع الميِّت بالحجِّ.

والّذي عندي (٨): أنّ المسألة في المذهب على قولين، غير أنَّ القولَ بصحَّة النِّيابة أظهر، فممّا يدلّ (٩) على ذلك: أنّ مالكًا قال فيمن أوصَى أنّ يحجَّ عنه بعد موته: ينفذ (١٠)


(١) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٢٧١.
(٢) أي حديث الموطّأ (١٠٣٩) رواية يحيي.
(٣) انظر المحلّى: ٧/ ٩.
(٤) في الإشراف: ١/ ٤٥٩ (ط. ابن طاهر).
(٥) في الأصل: "ذكر" والمثبت من المنتقى.
(٦) في الأصل والمنتقى: "على" ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(٧) في الأصل: " استجارة" والمثبت من المنتقى.
(٨) الكلام موصول للإمام الباجي.
(٩) الّذي في المنتقى: " ... النِّيابة أظنّه ممّا يدلُّ".
(١٠) في الأصل: "نفذ" والمثبت من المنتقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>