للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على سُوقها أو كادت، فقد فرغ ابنُ حبيب والبُونيّ والقَنَازِعِيّ والباجيّ من شَرْحِ "الموطَّأ" ووضعوا الأصول ومهَّدوا الفروع، ولم يكد ابن عبد البرِّ القرطبي يضع قلمه المُبدع بعد تأليفه للتّمهيد والاستذكار، حتَّى كان هذا إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التّصنيف في شرح الحديث، عكفَ فيها العلماء - ومنهم ابن العربيّ- على هذا الموروث العظيم الَّذي آل إليهم، شارحين للمُوطَّأ، ومتعقِّبين وناقدين، ومُضيفينَ ومستَدْرِكينَ، فمِن الممتع حقًّا أن يرقبَ الباحث حركة الأفكار وهي تتحاور، ويفتح بعضها لبعض، ويخرج بعضها من بعض، ويأتي بعضها في إثر بعض، وكيف يقوم الثّاني على المراجعة الدّقيقة للأوَّل، وإخراج ما يقتضي الرَّأي إخراجه، وإضافة ما يقتضي الرّأي إضافنه، ثم ترى الحذق واليقَظَة في استخراج رَسِيسَ الصّواب من تحت أنقاض الخطأ، وهكذا نجد المراجعة الدائمة هي الَّتي تتولَّد منها -بإذن الله- المعرفة، وهذا لا يوجد إلَّا إذا عكف الثاني على عِلْمِ الأوَّل، واستخرج منه صافيات الصّواب وخافيات الخطأ.

وابنُ العربيّ واحدٌ من هذا النَّفَر الكريم الَّذين أحسنوا النَّظَر في ذلك الحصاد الطِّيب الَّذي سبق به الأوائل؛ كما أخذ بنصيب وافر من ثقافة وعلوم عصره، وكان يمدّه في كل ذلك ذكاء قويٌّ، وطَبعٌ سليمٌ، وشَغفْ بالاطِّلاع والتّحصيل شديدٌ وكانت الثمرة كتاب "المسالك" الَّذي يعتبر معرِضًا لأراء كبار علماء اللّغة والكلام والفقه والأصول والحديث على اختلاف مذاهبهم وتعدد مشاربهم، فيه النُقُول المُستفيضة عنهم، وتظهر أهمية هذه النقول فيما حكاه عن كُتبهم الضائعة، من مثل: "الواضحة" لابن حبيب و"المبسوط" لإسماعيل القاضي، و"المجموعة" لابن عبْدُوس، و"كتاب ابن المَوَّاز" وما إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>