للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أغرب ما قال علماؤُنا: إنَّ مَنْ نَذَرَ المشيَ إلى الصَّفَا والمَرْوَة، أو إلى عَرَفَةَ، أو إلى مِنًى لا يَلْزَمُه، وإن كانت مواضع قُرَبٍ؛ فرائض ونوافل، ولعلّهم تعلّقوا بقوله:"ثَلَاثَة مَسَاجِد" فعيَّنَ المسجديَّةَ. قال علماؤُنا: فيأتي المسجدَ الحرام حَاجًّا أو مُعتَمِرًا.

هذا إذا قلنا: إنَّ مكَّةَ لا تُدْخَلُ إِلَّا بإحرام على المشهورِ، فإن قلنا على الرّوايةِ الأُخرى: إنَّ مكةَ تُدخَلُ بغير إحرامٍ، فلا يَخْلُو أنّ ينويَ هو صلاةً أو حجًّا أو عمرةً، فإن نَوَى حجًّا أو عمرةً فإنّه يدخلُها بإحرامٍ ويفعلُ ما نَوَاهُ منهما، وإنْ نَوَى الصّلاةَ دخل مُصَلِّيًا وإن أطلقَ اللَّفظَ ولم تكن له نيةٌ.

فإن قلنا: إنَّ اليمينَ محمولةٌ على العُرْفِ -وهو المشهور-، لَزِمَهُ أنّ يدخُلَها حاجًّا أو معتمرًا؛ لأنّ ذلك هو العُرْفُ، وإن لم يُلتَفَت إلى العُرفِ في اليمينِ على الرِّوايةِ الأُخرى، دخلَ المسجد كيف شاء.

هذا مذهبُنا في هذا الباب، وقد خالَفَنا جماعةٌ من العلّماءِ فقالوا: إنَّ المشيَ لا يلزَمُ؛ لأنّ القُربَةَ في قَصدِهِ لا في صِفَةِ القَصدِ، وقد قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)} (١)، وأمرَ النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بالصَّدَقةِ ونَهَى عن المُثلَةِ، وقال: "إِنَّ المُثلةَ أَنْ يَنْذِرَ الرجُلُ أنّ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَليُهدِ هَدْيًا وَليَركَبْ" (٢).


(١) الحجِّ: ٢٧.
(٢) رواه الطيالسي (٨٣٦)، وأحمد: ٤/ ٤٢٩، وأبو يعلى في المعجم (١٦٤)، والعقيلي في الضعفاء: =

<<  <  ج: ص:  >  >>