للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْتَ وكَيتَ فأَنكِحُوه، هذه هي السُّنَّة. فإن جاء أحدٌ بها فبها ونِعْمَتْ، وإن قَصَّر عنها وأَتَى بالمقصودِ له منها أَجْزَأَتْ، حتّى قال مالك - رضي الله عنه - لو بَادَرَ رَجُلٌ رَجُلًا، فقال له: هل تُزَوِّجُنِي ابنتَكَ بأَلفٍ؟ فقال له الآخر: نعم، لَزِمَهُ. قال الشّافعيُّ: لا يلزَمُه حتَّى يقولَ له الآخرُ بعد ذلك قَبِلْتُ. وكذلك الخلافُ في البَيْع مثلُه.

ولَقَبُ المسألةِ: هل تنعقدُ العقودُ بالاسْتِدْعاءِ أم لا (١)؟ والصّحيح ما ذهب إليه مالكٌ؛ لأنّ الغَرَضَ من القَبُولِ معرفةُ الرِّضَا، وقد حصَلَت معرفةُ الرِّضَا بالاسْتِدْعاء، فإن قال: كنتُ هازِلًا، فَهَزلُ النِّكاحِ جِدٌّ، ومثلُ هذه الدَّعْوَى لا يتطرَّق إلى القَبُول، ولا تُسمَعُ إِجماعًا (٢)، بدليل أنّه لو صَرّحَ بشرطه لم يَجُزْ.

قال الإمام: الحديثُ صحيحٌ مشهورٌ، ذكرَ منه مالك بعضَه (٣)، وتمامُه: "لا يَخطُبْ أَحَدُكُم عَلَى خِطبَةِ أَخِيْهِ، ولا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ" (٤).

ومعناه أي: لا يَسُم على سَوْمِهِ؛ لأنّ البَيعَ إنْ وقعَ لم يُتَصَوَّر بعدَهُ بيعٌ، وكذلك رواه مسلم في "صحيحه" (٥) فقال: "لا يَخطُبْ أحدُكُم على خِطبة أخيه ولا يَسُمْ على سَوْمِهِ" مُفَسَّرًا مُتقَنًا، والحديثُ عامٌّ بإطلاقه في كلِّ حَالةٍ من أحوال الخِطبَةِ،


(١) انظر أحكام القرآن: ٣/ ١٤٦٩.
(٢) الظّاهر أنّ نظر النّاسخ انتقل بسبب كلمة "إجماعًا" فأسقط سطرًا كاملًا هو كما في القبس: "وإن قال: قصدتُ الاستعلام، فإن علِمْتُ بما عندَهُ كنتُ بعدَ ذلك على الاختيار والارتياء، فلا اختيار ولا ارتياء في النّكاح إجماعًا، بدليل ... ".
(٣) في الموطَّأ (١٤٩٠) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٤٦٤)، وسويد (٣١٥)، والشّافعيّ في الرسالة (٨٤٨)، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: ٣/ ٣.
(٤) أخرجه البخاريّ (٥١٤٢)، ومسلم (١٤١٢) من حديث ابن عمر.
(٥) الحديث (١٤١٣) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>