للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (١)، ثمّ قال: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٢) فأباح ذلك (٣).

وقد بيَّنَّا إشكال هذه المسألة في كتاب "الأحكام" (٤) على أحسنِ مَسَاقٍ، والإشارةُ في الكلامِ فيها: أنّ بناءَ "إحصان" في لسان العرب وصلبُه "ح ص ن " ومعناه عندهم المنعُ حيثُما وردت معانِيهِ.

وقد يَرِدُ الإحصانُ بمعنى الإسلام، وقد يَرِدُ بمعنى العِفَّة، وقد يرِدُ بمعنى التّزويج، وقد يَرِدُ بمعنى الحريّة، وكلُّ ذلك في القرآن، إِلَّا الإحصانَ فإنّه بمعنى الإسلام، وإذا ركَّبْتَ معاني الإحصان على الآية لم تجد فيها أقوى من قول سعيد بن المُسيَّب الّذي اختارَهُ مالك؛ لأنّا إِنْ قلنا: إنَّ المرادّ بذلك جميعُ النِّساء - كما قال طاوسٌ وعطاءٌ - تَثَبَّجَ (٥) معنى الآية؛ لأنّ الله قد فصَّل المحرَّمات قبلَها، وأحكمَ بيانَها، وجعلَ المُحصناتِ من جُملَتِهِنَّ، فلو كُنَّ جميع النِّساء ما انتظمَ بذلك مساقُ الفَصَاحةِ، ولا كان أيضًا لقولِهِ تعالى بعد ذلك: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (٦) معنًى، وعلى هذا تترَكَّبُ مسألةُ بَيعِ الأَمَةِ المُزَوَّجةِ، هل يكون طلاقًا أم لا؟ وعُمُومُ هذه الآية يقتضي ذلك، إِلَّا أنّ السُّنَّة خصَّصَتْهُ بحديثِ بَرِيرَة حين اشترَتهَا عائشةُ (٧)، فلم يكن ذلك طلاقًا لها، وبقيَ سائرُ العُمومِ على مُطلَقِهِ.

ولا خلافَ بين الأُمَّةَ أنّ العبدَ والأَمَة لَيْسَا بمُحْصَنَيننِ إحصانَ الكمالِ الّذي تتعلَّقُ به الحدودُ، وذلك لقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} الآية (٨)، يعني: فإذا تَزَوَّجْنَ، وهذا أحدُ موارد الإحصان، ونقَصَ العبيدُ إحصانَ الحُريةِ.


(١) النِّساء: ٢٤.
(٢) النِّساء: ٢٤.
(٣) أخرج هذا القول الطّبريّ في تفسيره: ٤/ ٥، وانظر الدر المنثور: ٢/ ١٣٨.
(٤) ١/ ٣٨٠ - ٣٩٠.
(٥) أي اختلط.
(٦) النِّساء: ٢٤، وانظر أحكام القرآن: ١/ ٣٨٤.
(٧) أخرجه مالك (١٦٢٥) رواية يحيى.
(٨) النِّساء: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>