ومن الأشياء الَّتي ينبغي ملاحظتها أيضًا أن المؤلِّف - رحمه الله - كثيرا ما يذكر تقسيما معيَّنًا للكلام إلى أكثر من مسألة أو وجه أو فصل أو فرع، ثمّ يقتصر على ذِكْرِ مسألة أو وجه واحد فقط، غير ذاكر لسائر ما وَعَدَ به، مما أوقعنا في حيرة من أمرنا! وكثيرا ما كنا نتساءل: هل سقطت باقي الوجوه والمسائل والفصول من النُّسَخ المعتمدة لدينا؟ أم أنّ ناسخ الأصل سها عن ذِكْرِها؟ وهو أمر مُسْتَبْعَدٌ أشدَّ الاستبعاد؛ لأنه تَكَرَر في مواضع كثيرة، فانتهى بنا الرأي إلى أنّ الأمر لا يعدو من أن يكون طريفة ومْنهجا ارتضاه المؤلِّف في سيرته في التأليف، فكأنّه يَوَدَّ أن يقول: إن للكلام أوجها عدّة، أو مسائل كثيرة، أهمُّها كذا وكذا، وهذا أمرٌ لا يتطلَّب ذِكْرَ الأوجُه أو المسائل الباقية. وعليه فإذا ما وجد القارئ تقسيما ذَكِرَ فيه الوجه الأوّل أو الفصل الأول دون أن يجد لذلك بقيّة، فهذا يعني أن المؤلِّف قصدَ بذلك أهمّ الأوجُه أو الفصول أو المسائل، والله أعلم.
وليست جميع مسائل الشرح قائمة على كلام مالك في موطئه، وإنما جاءت في الشرح مباحث وفصول اقتضاها المقام، فأوردها تفريعا أو استطراد، بدون أن يخل هذا التفريع والاستطراد بالنّسق العام للموضوع الشروح، فهو تفريع ذكي للمسائل، واستطراد مقصود، يساعد القارئ على تصور الموضوع، واستيعاب فهمة على أحسن وجه وأقومه.
هذا مُجمل ما توصّلنا إليه بتأمُلاتنا في الكتاب، وهي تأملات نعتقد أنها قاصرة، ولكن قد يكون في الإجمال بعض الغَناء؛ لأنه لا يخلو من تنبيه إلى مشارف الآراء، ومعاقد الأفكار، مع أمل العودة إلى الكتاب بالدّرس والتّمحيص فيما يستقبلُ من الأيام إن شاء الله تعالى.