للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١) وهو أيضًا على وجهين: مباحٌ، ومحظورٌ.

فالمباحُ منه: ما كان على الصِّفَةِ الّتي أمرَ اللهُ بها.

والمحظور منه: ما وقعَ بخلافِها.

فأمّا الصَّفةُ أمتي أمرَ الله بها، هيَ ما ذَكَرَهُ في كتابهِ، حيثُ يقولُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية، إلى قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الآية (٢).

وقرأَ ابنُ عمر: "لِقُبُلِ عِدَّتِهنّ" (٣) معناه: في موضعٍ يعتددن به، وهو أنّ يطلِّقَها في طُهْرٍ لم يمسّها فيه، * كما بينّاه قَبْلُ، وأن لا تكونَ حائضًا * (٤).

وإنّما نُهِيَ المطلّقُ أنّ يطلّقَ في الحَيضِ؛ لأنّه إذا طلَّقَ فيه طوَّل عليها العدَّةَ وأَضَرَّ بها وعطَّلَها؛ لأنّ ما بَقِيَ من تلك العِدَّة لا يُعتَدُّ به في إقرائها، فتكونُ في تلك المُدَّة كالمعلَّقَةِ، لا مُعتَدَّةً ولا ذات زَوْجٍ ولا فارغة من زَوج، وقد نَهَى النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - عن ذلك، والله تعالى نهى عن إضرار المرأة بتطويل العِدَّة عليها، بقولِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} الآية (٥).

وذلك أنّ الرَّجلَ في الجاهليَّةِ، كان يطلَّقُ المرأة ثمَّ يُمهِلُها، فإذا قَرُبَ انقضاء عِدَّتها، رَاجَعَها ليُطَوَّلَ عليها العِدَّة، فَنَهَى الله عزَّ وجلَّ عن ذلك.

وأمَّا طلاقُ السُّنَّةِ الّذي أمرَ اللهُ به عبادَهُ وعلَّمَهُم إيَّاهُ، هو أنّ يُطلِّقَ الرَّجلُ امرأَتَهُ طاهرًا من غيرِ جِمَاعٍ طَلْقَةً واحدةٍ، ثمَّ لا يُتْبِعها طلاقًا، فيكونُ أحقّ برجْعَتِها، شَاءَت أو أَبَتْ، ما لم تَنقضِ عِدَّتُها لقوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الآية (٦)، وبلوغُ الأَجَلِ في هذه


(١) من هنا إلى آخر هذه المقدِّمة الثّالثة مقتبسٌ من المقدِّمات المُمَهَّدات من مواضع مختلفة، هي على التّرتيب التالي: ١/ ٤٩٨، ٥٠٠، ٤٩٩.
(٢) الطلاق: ١ - ٢.
(٣) علّق المؤلّف في الأحكام: ٤/ ١٨٢٥ على قول ابن عمر بقوله: "تفسيرًا لا قرَآنًا" وهذه القراءة أخرجها ابن الأنباري كما في الدر المنثور: ١٤/ ٥٢٧ (ط. هجر) , كما أخرجها البغوي في حديث مصعب (١٦٣).
(٤) مابين النجمتين من زيادات المؤلّف على نصّ ابن رشد.
(٥) البقرة: ٢٣١.
(٦) البقرة: ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>