للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يتابِعْهُ عليه أحد من أصحابِ ابنِ عبَّاس.

وقد أدخلَ مالكٌ في رَدِّهِ حديثَين:

١ - أحدُهما في هذا الباب، أَنَّ رَجُلَا قالَ (١):"طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِئةَ طَلْقَةٍ، مَاذا ترَى عَلَىَّ؟ قَال لَهُ: طَلُقَت مِنْكَ بِثَلاثٍ، وَسَبعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذتْ بِهَا آيَاتِ اللهِ هُزُوَا" (٢).

٢ - ثمَّ أدخلَ في "بابِ طلاقِ البِكْرِ" حديث محمّد بن إِيَاس بن البُكَير مُسْنَدًا (٣): "أَنَّ رَجُلَا طَفقَ افرَأَته ثَلَاثًا، ثُمَّ جَاءَ يَسْتَفْتِي ابْنَ عبَّاسٍ، فَقَال لهُ هُوَ وَأَبُو هُرَيرَة: لَا نَرَى "أنّ تَنْكِحَهَا حتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَكَ، قالَ لَهُمَا: إِنمَا طَلَاقِي وَاحِدَةٌ، وَكَانَ قبْلَ الدُّخُول، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ مِنْ يَدِكَ ما كَانَ لَكَ من فَضْلٍ" فهذا يدلُّ من قولِ ابنِ عبَّاسٍ في الخَبَرَينِ جميعًا أنّ الثَّلاثَ في عهدِ رسولِ الله وفي كلِّ عَهْدٍ كانت لَازِمَةً.

وفي "البخاريّ" (٤) و"مسلم" (٥) حديث العَجلانيّ في اللَّعان: فطَلَّقها قَبْلَ أنّ يَأمُرَهُ رسولُ الله، وأَقرَّهُ، فَصَارت سُنَّةَ يُحْكمُ بَهَا على من جاء بَعْدَهُ.

وإنّما معنى الحديثِ الّذي رواهُ أبو الصّهباءِ؛ أنّ النَّاسَ كانوا على السُّنَّةِ يطَلِّقُونَ واحدةً يَحُلُّون عَقْدَ النّكاحِ بها, ولا يخرُجون عن السُّنَّة فيها، وتمادَى الحالُ كذلك حياةَ رسولِ الله - صلّى الله عليه وسلم -، وخلافةَ أبي بكر، وصدرًا من خلافةِ عُمَرَ، فصارَ النَّاسُ يُطَلَّقون بَدَلَ الواحدة ثلاثًا، فجمعوا ما كان الله قد فَرَّقَه عليهم، واستَعْجَلُوا ما كان الله أخَّرَهُ عنهم، فأُلزِمُوا ذلك.


(١) قال لابن عبّاس.
(٢) أخرجه مالك (١٣٨١) رواية يحيى بلاغًا، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٥٧١).
(٣) الحديث (١٦٥٧) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٦٢٩)، وسويد (٣٥٥)، ومحمد بن الحسن (٥٨١)، والشّافعيّ في مسنده: ١٠١، وابن وهب عند الطحاوي في شرح معاني الآثار: ٣/ ٥٧.
(٤) الحديث (٥٢٥٩).
(٥) الحديث (١٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>